المحاولات الانقلابية المريبة تتعاقب لنسف سياسات التحييد "إعلان بعبدا" والأكلاف الباهظة لإسقاط "النأي بالنفس"
لم يكن البند "المريب" الذي تضمنه البيان الاخير لـ"كتلة الوفاء للمقاومة" الخميس الماضي آخر المؤشرات التي تحمل ايحاءات "انقلابية" بل سبقته مجموعة مؤشرات ومواقف وخطوات اثارت الكثير من التوجسات والشكوك في مآل المرحلة الحالية التي تشهد مخاضا صعبا لتأليف الحكومة لم تعد تعقيداته تقتصر على هذا الاستحقاق بل تتجاوزه الى الخشية على أزمة نظام. ذلك ان اطلاق "كتلة الوفاء للمقاومة" دعوة سافرة الى الحكومة والقوى السياسية من اجل اعادة تموضع لبنان استراتيجيا واعادة بعض علاقاته الاقليمية والدولية لا يعدو كونه دعوة صريحة وفي اقصى الوضوح الى تسليم لبنان بالكامل الى المحور الايراني - السوري وما يستتبعه ذلك من تداعيات مخيفة عليه داخليا وخارجيا. واذ يبدو واضحا ان هذا الموقف ساقط سلفا بل ثمة استحالة واقعية لتنفيذه ما دام اكثر من نصف لبنان على الاقل يرفض استتباعه بهذا المحور او بسواه على قاعدة المبادئ السيادية والاستقلالية بداهة ومن ثم على قاعدة عدم مس كل ما من شأنه ان يعتبر انقلابا على الميثاق والدستور والطائف فان الموقف المذكور يتحول بطبيعة الحال وسيلة مكشوفة من وسائل الضغوط التي يمارسها "حزب الله " لاطلاق رسائل برسم الدول الخليجية والغربية الداعمة للبنان او المناهضة لسياسات المحور الاقليمي الذي يرتبط به الحزب. في اي حال فان هذا الموقف لا ينفصل عن سياسات متدرجة عملت تكرارا على منع كل المحاولات الجاهدة والجدية لتحييد لبنان في الحدود الدنيا عن تأثيرات الصراعات الاقليمية والدولية وتداعياتها المدمرة على لبنان. وقد غرد الرئيس السابق ميشال سليمان امس قائلا "بان الرئيس السويسري آلان بيرسي نصح لدى زيارته لبنان المسؤولين اللبنانيين اخويا باعتماد الحياد لان تركيبة المجتمع اللبناني شبيهة بالمجتمع السويسري ومحيط لبنان اليوم شبيه بمحيط سويسرا سابقا ووضعية كهذه يكون حلها باعتماد الحياد. ولكنه لفت الى " ان التحييد انقلبوا عليه بعد الموافقة وحتى النأي بالنفس لا يطبق".
يشار في هذا السياق الى ان المجتمع الدولي عاد يذكر بالحاح بضروة التزام سياسة النأي بالنفس وورد ذلك بأقصى الوضوح والصراحة على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان قبل يومين. ويأتي ذلك وسط مخاض تشكيل الحكومة ليضع لبنان امام محك بالغ الدقة.
تبعا لذلك يبدو من المفيد اعادة انعاش الذاكرة بان التجربة الاكثر جدية واستقطابا لصدقية الدولة اللبنانية امام المجتمع الدولي تمثلت سابقا مع بدايات الحرب في سوريا في توصل المتحاورين اللبنانيين الى "اعلان بعبدا " الذي تحول ركنا اساسيا من اركان الخطاب الاممي المتصل بلبنان ولا يزال حتى الآن يرد في كل البيانات الاممية ذات الصلة بلبنان. فعلام ينص "اعلان بعبدا " والا يزال ممكنا اعادة نفح الحياة فيه مع تواتر المحاولات الانقلابية على سياسات الحماية الخارجية التي يفترض ان يتبعها لبنان تجنبا لمزيد من التداعيات المدمرة ديبلوماسيا واقتصاديا؟
معلوم ان "اعلان بعبدا " صدر في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان في تاريخ 11 - 6 - 2012عقب جلسة لطاولة الحوار الوطني اللبناني. وتم التوافق في ذاك الاعلان على النقاط الـ17 الآتية :
1- إلتزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.
2- إلتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.
3- دعوة المواطنين بكلّ فئاتهم للوعي والتيقّن، بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف ويهدّد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.
4- العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة لحلّ أيّ خلاف أو إشكال طارئ.
5- دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنيّة الشرعيّة من التعامل مع الحالات الأمنيّة الطارئة وفقاً لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.
6- دعم سلطة القضاء تمكيناً من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.
7- الدعوة الى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة.
8- دعوة جميع القوى السياسيّة وقادة الفكر والرأي الى الابتعاد عن حدّة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كلّ ما يثير الخلافات والتشنّج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقّق الوحدة الوطنيّة ويعزّز المنعة الداخليّة في مواجهة الأخطار الخارجيّة، ولا سيّما منها الخطر الذي يمثّله العدوّ الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجاباً على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصاديّة والسياحيّة والأوضاع الاجتماعيّة.
9- التأكيد على ضرورة إلتزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.
10- تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.
11- التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.
12- تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.
13- الحرص تالياً على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون.
14- إلتزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار1701.
15- مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.
16- تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين الواقع فيه 25 حزيران الجاري موعداً للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها والتي ستكون الاستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات.
17- اعتبار هذا البيان مثابة "إعلان بعبدا" يلتزمه جميع الأطراف وتبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الامم المتحدة."
هذه نقاط "اعلان بعبدا " فماذا تراه تغير منذ 2012؟