سليم نصار
بعد مخاض عسير استمر عدة أشهر، صوّت المجلس النيابي اللبناني في 17 حزيران (يونيو) 2017 على قانون انتخابي جديد بديلاً من قانون 1960.
وهو قانون مركب ومعقد قائم على النسبية زائد الصوت التفضيلي. ولقد روّج له الرئيس ميشال عون لقناعته أنه يلغي التوزيع الطائفي الذي اعتمده اللبنانيون خلال عهود طويلة. علماً أن القانون الجديد يتضمن في آليته السياسية الكثير من قانون الستين والقليل من «المشروع الأرثوذكسي» الذي اقترحه النائب السابق إيلي الفرزلي. لذلك رأى بعض السياسيين أن الصوت التفضيلي هو نسخة معدّلة عن مشروع الفرزلي.
عدد كبير من السياسيين، في طليعتهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حاولوا إجهاض القانون الجديد لأنه في نظرهم لا يمتلك إطار الإصلاح المطلوب، ولا القدرة على تطوير النظام القائم. ولكنه فضّل التريث بانتظار تمرير الاختبار العملي الأول بعد أسبوع (6 أيار- مايو)، خصوصاً أن الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله ورئيس الحكومة سعد الحريري متحمسون لتنفيذه لأسباب مختلفة.الرئيس عون يرى فيه ضمانة للتخلص من التجاذب السياسي الذي يتناوب على أدائه الخصمان 14 آذار و8 آذار.
والسيد حسن نصرالله يتوخى من وراء سيطرة نوابه ونواب «أمل» على قرار المجلس المقبل قلب الموازين الداخلية لصالح المحور الإيراني، خصوصاً أنه أحرج الطوائف الأخرى عندما أعلن: «إن مَن يصوّت خارج لائحة «حزب الله» و «حركة أمل» كأنه يصوّت ضد المقاومة.» أي أنه اعتبر كل لبناني لا يصوّت لحزبه... هو ضده.
وعلى هذا التشكيك ردّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بالقول إن حصر المقاومة ضد إسرائيل بـ «حزب الله» ينافي الحقيقة، بدليل أن عدداً كبيراً من الذين استشهدوا كانوا ينتمون إلى مذاهب أخرى وإلى أحزاب أخرى... وإلى العروبة بالتحديد.
وانتقد السيد نصرالله، خلال مهرجان انتخابي، العروبة التي تدمر وتستبيح المحرمات، وتتخلى عن فلسطين ومقدساتها وشعبها.
ولكنه في الوقت ذاته حرص على استمالة سنّة بيروت، منبهاً: «أن بيروت هي عاصمة لبنان، ويجب ألا تفقد هذه الميزة... بيروت هي خلاصة لبنان والتعبير الصادق عن التكوين والتركيبة اللبنانية. وهذه الخصوصية تعني أنه لا يجوز لأي حركة أو تيار أو زعامة أن تختصر بيروت بلونها الخاص!»
ورأى أمين عام «حزب الله» أن الانتخابات ليست أكثر من مرحلة انتقالية، سيُصار من يعدها إلى تشكيل تجمع من القوى المتفقة استراتيجياً بهدف إيجاد الحلول لكل الخلافات السياسية القائمة.
ولقد توقع المراقبون أن يدعو السيد نصرالله بعد الانتخابات إلى إجراء مراجعة كاملة لاتفاق الطائف. ويعتقد أنصاره أن الطائف لم يُنصف الشيعة، بدليل أنه أخذ من صلاحيات الرئيس الماروني ليعزز دور الفريق السنّي داخل تركيبة الوزارة. كذلك أعطى المسيحيين الذين لا يزيد عددهم في لبنان على ثلاثين في المئة نسبة توازي نسبة النصف من عدد المقاعد في البرلمان. وقد تعني الدعوة إلى مراجعة اتفاق الطائف تخفيض عدد النواب المسيحيين بطريقة تؤدي إلى زيادة نسبة العشرين في المئة إلى عدد النواب الشيعة في البرلمان الجديد.
السؤال الآن: هل تحتاج الثغرات التي تظهرها عملية الانتخاب إلى إصلاح القانون النسبي في حال عدم توافر الشروط المطلوبة؟
بحضور رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات إيلينا فالنسيو، أكد الرئيس ميشال عون أن لبنان يتوقع أن تكون الانتخابات النيابية تعبيراً دقيقاً عن توق اللبنانيين إلى ممارسة الديموقراطية، وتحديد خياراتهم باقتناع وحرية، خصوصاً أن القانون النسبي الذي يطبق للمرة الأولى في لبنان، هو من ضمن التطورات السياسية المهمة التي تصلح التمثيل الشعبي من جهة... وتعطي الناخب اللبناني حرية اختيار ممثليه من جهة أخرى.
ولكن هذه الرؤية لا تتوافق مع التصور الذي توصل إليه عدد كبير من السياسيين اللبنانيين: فالرئيس السابق ميشال سليمان وصفه بـ «القانون المسخ الذي يحتاج إلى تصحيح الشوائب التي يتضمنها».
بينما اعترف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعجزه عن فهم القانون، معتبراً أن الإلمام بتفاصيله يحتاج إلى دخول مدرسة خاصة. «وبما أننا في نظام طائفي، فقد اخترعنا قانوناً غير موجود في كل دول العالم بالصوت التفضيلي. وهو غير موجود إلا في لبنان. إنه اختراع لبناني بامتياز».
وانتقد رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية محاولة «التيار الوطني الحر» إلغاء مَن يشكلون خطراً سياسياً عليه. «إن مدرسة إلغاء الآخر تعود إلى خمسين سنة خلت. علينا التعاطي بعضنا مع بعض بأخلاق، وليس بالطرق الاستفزازية المنفرة».
«حزب الكتلة الوطنية» حضّ محازبيه وحلفاءه على التصويت لمَنْ يتعهد بإحياء القيَم والمبادئ التي رسمها العميد ريمون إده، وهي تختصر بالتالي: سيادة لبنان، دولة القانون، جيش واحد، قضاء مستقل، مكافحة الفساد، العلمانية، والنزاهة الشخصية.
والملفت في هذا السياق انتقال «حزب الكتائب» من حزب الدولة إلى حزب معارضة الدولة. وقد تكون هذه هي المرة الأولى منذ الاستقلال يعدل الحزب بقيادة النائب سامي الجميّل مسار اتجاهاته السياسية. والسبب، كما يقول محازبوه، أن الدولة مستسلمة كلياً لجهات داخلية مستقوية بالخارج، تعمل على تقويض السيادة اللبنانية. لذلك رأى سامي في المادة خمسين من موازنة 2018 خللاً بالغ الأهمية. أي المادة التي تمنح أي عربي أو أجنبي الحق في الحصول على إقامة دائمة في لبنان له ولعائلته في حال اشترى شقة بـ300 ألف دولار.
وتخوّف الجميّل من إقرار هذه المادة بوجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري، الأمر الذي يعتبره توطيناً مبطناً، وتحريضاً لدفع المواطنين اللبنانيين إلى الهجرة!
الوزير السابق نعمة طعمة انتقد أكثر من مرة القانون الانتخابي النسبي لأنه، في رأيه، زاد من الخلافات داخل المجتمع الواحد. كما حدّت اللوائح المقفلة من حرية الناخب. كذلك وسّع الصوت التفضيلي هوة الخلافات بين المتحالفين في لوائح مشتركة. والسبب، كما قال، إن كل شخص منهم يسعى إلى حجز الصوت التفضيلي على حساب حلفائه وشركائه.
والسبب ذاته قدمه الوزير السابق بهيج طبارة على التلفزيون. وقد عرض في محاضرة أيضاً كيف يجرد هذا القانون الناخب من حرية الاختيار ويجعله أسير القائمة. كذلك وصف الزميل طلال سلمان هذا القانون بأنه غير ديموقراطي، كونه يفرض على المقترع التقيّد بأسماء اللائحة، في حين لا يريد انتقاء إلا مرشح واحد منهم.
الطاقة الاغترابية اللبنانية» هي أهم الإنجازات التي حققها رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.
وقد دعا قبل فترة قصيرة إلى الاجتماع الدوري لهذه المؤسسة يوم العاشر من أيار (مايو)، أي بعد أربعة أيام من موعد انتهاء العملية الانتخابية.
وبسبب عجز الخارجية عن إرسال ممثلين للإشراف على 232 قلم اقتراع موزعين على أربعين دولة عربية وأجنبية، فقد تعرض باسيل للانتقاد بسبب ترك هذه المهمة في عهدة السفراء والقناصل المعتمدين لدى هذه الدول.
للرد على هذه التساؤلات، قال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إن الدولة تثق بالقناصل المنتدبين إلى الخارج، وإنها عقدت اتفاقاً مع شركة DHL من أجل تغليف الصناديق وختمها بالشمع الأحمر قبل شحنها إلى لبنان.
في مطلق الأحوال تبقى هذه المشكلة عرضة للتشكيك وربما الطعن أمام المجلس الدستوري. خصوصاً أن هناك ما يقارب من نصف مليون ناخب سيدلون بأصواتهم للمرة الأولى، وأن هناك 917 مرشحاً بينهم أكثر من أحد عشر شاباً يمثلون بدائل الاستمرارية: تيمور نجل وليد جنبلاط، وطوني نجل سليمان فرنجية، وميشال نجل رينيه معوّض، وغسان نجل نعيم مغبغب، وجواد نجل سيمون بولس، ووليم نجل جبران طوق، وفيصل نجل عمر كرامي، وكميل نجل دوري شمعون، إضافة إلى أبناء: طلال المرعبي ووليد عيدو وأحمد فتفت.
وبسبب تهميش العنصر النسائي، قررت الجمعيات المعنية بشؤون المرأة مساندة 111 مرشحة، الأمر الذي يجعل من هذا العدد ما نسبته 12 في المئة من العدد الإجمالي للمرشحين.
بقي أن نأمل بنجاح هذه التجربة الفريدة، التي أنهى مشرّعها صوغها بالفقرة الأخيرة، وهذا نصّها: «في حال تعادلت النسبة من الأصوات التفضيلية بين مرشحين، يتقدم في الترتيب المرشح الأكبر سناً. وإذا تساويا في السن، تلجأ اللجنة العليا إلى استخدام القرعة. أي إلى الحظ...».
وهذا يعني أن الدولة تراهن على «الحظ» في نجاح مشروعها في حين تراهن كل دول العالم على إرادة الشعب!