خطاب إنتهاء الولاية

أيها اللبنانيون

ما هي إلا ساعات وتنقضي ولاية رئاسية كان لي شرف استلام مقاليدها منذ ست سنوات.

منذ 25 ايار 2008 ولغاية اليوم تشاركت وإياكم من منطلق المواطنة. ومن موقع القيادة، عملتُ معكم على مواجهة الصعاب بوعي وصبر وارادة، ولم نألُ جهداً للتخفيف من الارتدادات السلبية للازمات والصراعات التي عصفت بمنطقتنا العربية، وتجاوزنا مراحل وظروفاً دقيقة وصعبة في ظل انقسام عميق ومؤسف.
من هنا كانت دعوتي دائماً، ويشاركني في ذلك القيادات الوطنية، الى حوار مستدام يكون وحده الكفيل في حل المعضلات، انطلاقاً من حقيقة راسخة وثابتة، ان ما يجمعنا اكثر بكثير مما يفرقنا او يباعد بيننا. وفي واقع الحال، لم يكن التباعد يوماً، إلا نتيجة تأثيرات خارجية تخبو لتستيقظ في بعض المفاصل.

نعلم تماماً، أننا لا نعيش منعزلين عن محيطنا القريب والبعيد، لكن هذا الواقع الجغرافي والسياسي والديني، من غير المسموح له أن يشكل عقبة لأي مشروع انتماء وتلاقي. كما أن وحدتنا الوطنية، تحتل الأولوية، وتفرض علينا عدم التدخل في شؤون الجوار، مهما عز الجوار، لا بل، توجب الإنسحاب بلا تردد، من كل ما من شأنه أن يفرق صفوفنا.

مضت سنوات ست، خلت من اي احتلال اسرائيلي، او أي وجود عسكري سوري، ومن أي حرب داخلية بغيضة كتلك التي وقع لبنان ضحيتها طوال خمسة عشر عاماً، بفعل مؤامرات خارجية دنيئة او حسابات سياسية خاطئة.

لا بل، حقق الجيش وقوى الامن الداخلي وسائر القوى الامنية، نجاحات ملحوظة، في مجال محاربة الارهاب وتفكيك شبكات التجسس والعمالة للعدو الاسرائيلي،. ولم تكن حال اللاحرب تلك نتيجة الصدفة او الظروف، بل نتيجة وعي داخلي وقدرة وطنية على الصمود والردع، وعمل دؤوب على الصعيد الديبلوماسي، لتحييد لبنان وتجنيبه التداعيات السلبية للأزمات الاقليمية.
وقد تمكنّا مع الحكومات المتعاقبة، من الوفاء بإلتزاماتنا تجاه الشرعية الدولية وتجاه الدستور والقوانين اللبنانية.

فعملنا على تنفيذ القرار 1701، وتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتعاون معها، لتبيان الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. كذلك عمدنا، مع تشكيل حكومة المصلحة الوطنية برئاسة الاستاذ تمام سلام، الى استكمال تنفيذ ما قررته الحكومات السابقة في المواضيع الآتية:

1- تنفيذ الخطط الامنية وإنهاء الوضع الشاذ والمؤلم في طرابلس، ما يتطلب متابعة وتعميماً على سائر المناطق.
2- اقرار التعيينات الادارية التي تم تحضيرها والاعداد لها، عبر الآلية المتفق عليها، التي اتاحت تكافؤ الفرص واختيار الكفاية بدل المحاصصة والمحسوبية، حيث كانت حصة وازنة للمرأة مع الحاجة الى تشديد معايير الآلية واقرارها بقانون او مرسوم، كما تم اقرار سلسلة من التشكيلات القضائية.
3- الانتهاء من اعداد مشروع متكامل ومدروس للامركزية الادارية، نتيجة جهد مشترك من قبل مجموعة من اهل العلم والاختصاص ومشاركة المواطنين. هذا المشروع المنصوص عنه في وثيقة الوفاق الوطني، والذي يهدف بشكل اساسي الى تحقيق الانماء المتوازن، ارسل الى مجلس الوزراء، وينبغي الانصراف الى مناقشته بعد التدقيق في اقتراحات المواطنين، لإحالته في ما بعد الى المجلس النيابي.

السيدات والسادة،
 مع انطلاقة العهد، تمكنّا من اقامة علاقات ديبلوماسية مع سوريا، وهو مطلب رافق اللبنانيين منذ الاستقلال. هذه الخطوة هي الترجمة الاساسية للعلاقات المميزة المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني. لذلك يجب العمل على تعزيز دور السفارات في البلدين بصورة متوازية، وترسيخ هذه العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وهذا يتطلب اولاً، في الوقت المناسب، متابعة مراجعة الاتفاقات المعقودة بين البلدين الشقيقين، لإزالة الالتباسات وتحديد المسؤوليات بشكل واضح، بالاضافة الى تأكيد مشاعر المساواة والتكافؤ، تمتيناً للعلاقات الاخوية، مع الامل في ان يتمّ التوصّل الى حلّ سياسي سريع للازمة السورية، وأن تستعيد سوريا استقرارها ووحدتها وعزّتها في أقرب الآجال.

 إن المحافظة على قدر جيد من الاستقرار، ساهم في خلال سنوات متتالية بتحفيز الاستثمار، ورفع نسبة النمو الى حدود الـ8 في المئة. وأعدنا لبنان الى موقعه المتميز على الساحة الدولية، وأحطناه بشبكة أمان عززت هذا الاستقرار، وسمحت بانتخاب لبنان للعضوية غير الدائمة لمجلس الامن الدولي. وقمنا في الداخل بتوفير الشروط المناسبة لاستقبال قداسة البابا السابق بينيديكتوس السادس عشر، بصورة اعادت الوهج الى وطننا كرسالة تعايش وحرية للشرق والغرب.

وعندما بدأت التداعيات السلبية للأزمة السورية الطارئة، تلقي بثقلها على الداخل اللبناني، اقترحت على هيئة الحوار الوطني مجموعة مبادئ يتعذر، بيقيني ويقين الغالبية العظمى من الشعب، رفضها او دحضها في وجه اي منطق او حجة، وهي التي تخدم مصلحة لبنان العليا، وتوحّد اللبنانيين في خندق حصين واحد، في مواجهة كل اشكال التطرف والارهاب. هذه المبادئ، هي تلك التي توافقت عليها هيئة الحوار الوطني، بتاريخ 11/6/2012، وعرفت بـ"إعلان بعبدا"، ولاقت ترحيباً ودعماً من قبل المجتمع الدولي بمختلف مكوناته واتجاهاته، وهي تبقى السبيل الوحيد لتعزيز الاستقرار والسلم الأهلي، من طريق تحييد لبنان، عن سياسات المحاور والصراعات الاقليمية والدولية، وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية، وخصوصا الازمة السورية.

ولما كان الاستقرار شرطاً جوهرياً من شروط الاستثمار والتنمية، أرى أن هيئة الحوار الوطني والدولة ككل، مدعوتان الى الاستمرار في تعزيز نهج الحوار وترسيخه. كذلك يجب توفير الظروف الكفيلة بتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني، وهيئة الحوار الوطني، التي تطرقت الى معظم المشكلات والتحديات التي تواجهها البلاد، بما في ذلك، معالجة مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وفي داخلها، والعمل على ضمان الالتزام بنص "اعلان بعبدا" وروحه. ان من شأن هيئة الحوار اتاحة المجال ايضاً للبحث في  أي موضوع قد يتوافق عليه المتحاورون، بما في ذلك سبل تطوير النظام، بما يكفل حال الاستقرار الدائم والتنوّع من ضمن الوحدة والتنمية المستدامة، مع العلم، أن البيان الاخير لهيئة الحوار الوطني في 5 أيار 2014 أكد ضرورة استكمال تطبيق اتفاق الطائف، والحرص على المحافظة على المناصفة والعيش المشترك، حاسماً بذلك ما تم تداوله عن مؤتمر تأسيسي اثار قلق اللبنانيين ومخاوفهم.

 وفي مواجهة الخطر الاسرائيلي، ومخاطر الارهاب والسلاح المنتشر عشوائياً على مساحة الوطن، ومن منطلق الحاجة الى ضبط الحدود اللبنانية، بما يحمي السيادة وسلامة الاراضي، وضمان الوحدة الوطنية والسلم الاهلي، اقترحت على هيئة الحوار الوطني، تصوراً اوليّاً لاستراتيجية وطنية للدفاع عن لبنان، هو تصوّر اعتبرته هيئة الحوار منطلقاً للنقاش.
وعشية 25 أيار، عيد "المقاومة والتحرير"، ألذكرى التي نعتز بها، ونفتخر مقدار افتخارنا بشبابنا الأبطال، ألذين بذلوا أرواحهم لتحرير الأرض.

في هذه الذكرى، أقول بكل محبة وحرص، حان الوقت لبناء استراتيجية دفاعية كمدخل ضروري لبناء الدولة. فالتحرير يبقى منقوص الفائدة اذا لم يؤد الى تحقيق سيادة الدولة وحدها على شؤونها كافة وكل أراضيها، وتطوير النظام الديموقراطي وترسيخ دولة القانون والعدالة والمساواة.

 والتوافق على استراتيجية للدفاع حصراً عن لبنان، يبقى في صلب الواجبات الملقاة على عاتق هيئة الحوار الوطني، تمهيداً لإقرارها من قبل الهيئات الدستورية المختصة.

كذلك نجحت الجهود التي بذلناها في انشاء مجموعة دولية مرموقة لدعم لبنان، فصدر عنها خلاصات تبنّاها مجلس الامن الدولي، تهدف بصورة متكاملة الى ترسيخ الاستقرار، خصوصاً من خلال السعي لضمان التزام "اعلان بعبدا" وكل مندرجات القرار 1701. كذلك هدفت الى دعم ركائز الاقتصاد الوطني، وبشكل خاص من طريق انشاء صندوق ائتماني خاص، وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية. إضافة الى ذلك انتهت الخلاصات الى ضرورة مواكبة الجهد الهادف الى مواجهة المشكلة المتفاقمة للاجئين السوريين في لبنان، التي باتت تشكل التحدي الوجودي الابرز، الذي يوجب علينا اتخاذ القرارات العاجلة في شأنه، بدعم دولي نسعى لاستكماله، وبقرارات داخلية شجاعة تبقى على مسؤولية الدولة اللبنانية بالذات.

ويقع بالضرورة على عاتق الدولة اللبنانية بكل اداراتها وأجهزتها، بذل كل جهد ممكن، لمتابعة تنفيذ كامل الخلاصات التي صدرت عن المجموعة الدولية في نيويورك، والتي تم تأكيدها لاحقاً في مؤتمر باريس في 5 آذار 2014 الذي ضم دولاً اضافية رئيسية وفاعلة.
وقد جاءت الهبة السعودية الاستثنائية والتاريخية للجيش اللبناني، بقيمة ثلاثة مليارات دولارات، لتعزز فرص بناء الذراع الامني للدولة العادلة والقادرة، والتوافق على استراتيجية وطنية دفاعيّة فعلية. كذلك، فإن الامل معقود على المؤتمر الدولي في 17 حزيران، والذي دعت اليه ايطاليا، من اجل استكمال القدرات العسكرية للجيش ما يمكنه القيام بكامل واجباته الوطنية، بامتلاكه وحده كافة عناصر القوة.

أما وقد شارفت الولاية على الانتهاء، ولم نتمكن من انتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهل الدستورية، فإني أهيب بالمجلس النيابي وبالقوى السياسية الممثلة فيها، إتمام الاستحقاق الرئاسي من دون ابطاء، وعدم تحمّل مسؤولية ومخاطر خلو الموقع الرئاسي، بصورة تتنافى مع الديموقراطية، لا بل ومع روح الشراكة والميثاقية الوطنية.
ولما كان موقع الرئاسة موقعاً جامعاً و"رمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه"، فإن خلوّ هذا الموقع، يشكّل تهديداً لهذا الدور، الذي نريده ضامناً لانتظام الحياة السياسية والدستورية، خصوصاً إذا كان الشغور مقصوداً، بفعل انقسام عامودي بين القوى السياسية، وغياب نقاط الالتقاء، او بسبب رغبة دفينة، لا تريد للبنان ان يستقر في مؤسساته.

من هنا جاءت رسالتي التي وجهتها الى المجلس النيابي بموجب صلاحياتي المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور. رسالة تتكلم بلسان حال المواطنين والتي آمل في أن يلتزم بها النواب الكرام.

كما ان على رأس الاوليات الوطنية تبدو الحاجة ملحّة، كي تعمل السلطة التشريعية على وجه السرعة، على اقرار قانون انتخاب عصري جديد، يؤمّن مشاركة لائقة للمرأة ولغير المقيمين، ويخرج التمثيل من الاصطفاف الطائفي، وقد احالت الحكومة مشروع قانون انتخاب على قاعدة النسبية. وبغية اعطاء فرصة جديدة للممارسة الديموقراطية الصحيحة في لبنان، يقتضي اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والامتناع عن التمديد مرة أخرى، طبقاً لما توافقنا عليه في جلسة الحوار الاخيرة في 5 أيار 2014.
وفي موازاة ذلك، ينبغي اعادة النظر في صلاحيات المجلس الدستوري وفي القانون المتعلق بتعيين اعضائه ونظام عمله حتى لا يصار الى تعطيل نصابه ثانية، في حين يبقى مشروع استقلال السلطة القضائية ايضاً حاجة ماسة لسيادة دولة القانون.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالدولة مدعوّة الى حسم خياراتها، والمضي قدماً في إنجاز القرارات والتدابير القانونية والادارية، الكفيلة بتمكين لبنان من بدء استخراج ثروته النفطية والغازيّة واستثمارها بصورة شفّافة ومفيدة، واعتماد مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بعيداً على السواء، من الخصخصة المثيرة للجدل، ومن الادارة الحكومية المتعثرة للقطاعات الخدماتية الاساسية. كذلك، إن المباشرة بإجراء حوار اقتصادي واجتماعي شامل وجريء يتطلب تفعيل عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتعيين اعضائه، بعدما انتهت ولايته وشل عمله منذ سنوات عدة، وتعزيز اشراك الفاعليات الاغترابية فيه.

السيدات والسادة،
إن الممارسة الدستورية، في خلال السنوات الست، وبالاستقلال عن التدخل الخارجي، كشفت الثغرات الدستورية، التي حمّلت النظام السياسي بذور اعاقته وتعطيله.

لذلك عكفت لجنة من الحقوقيين والخبراء الدستوريين على دراستها مستفيدة من تجربة السنوات المنصرمة، ووضعت مقترحات لتعديل الدستور، ستسلم الى الرئيس الجديد، وقد ارسلت الى الامانة العامة لمجلس الوزراء. وأبرز هذه التعديلات:
1- إعادة  حق حلّ مجلس النواب عند الضرورة والاقتضاء ولمرة واحدة، الى السلطة التنفيذية، بمبادرة من رئيس الجمهورية، انسجاماً مع مبادئ النظام البرلماني الذي يعطي في المقابل السلطة التشريعية حق سحب الثقة من الحكومة.
2- إعطاء رئيس الجمهورية حق إعادة الاستشارات النيابية بتأليف الحكومة بعد مرور أكثر من شهرين على صدور مرسوم التكليف من دون تمكّن الرئيس المكلّف من تأليف  الحكومة.
3- وضع مشاريع القوانين المعجّلة والقوانين المعادة الى المجلس النيابي سنداً للمادتين 57 و58 من الدستور على جدول اعمال اوّل جلسة يعقدها المجلس النيابي بعد ورودها إليه.
4- تحديد مهلة دستورية واضحة لرئيس الحكومة والوزراء لتوقيع المراسيم، ولتلك الصادرة عن مجلس الوزراء، أسوةً بالمهل الدستورية المطلوب من رئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته من ضمنها كالمواد 56 و57 من الدستور.
5- تعديل الاكثرية الواجب اعتمادها في مجلس الوزراء، عند اعادة النظر في اي قرار بناء على طلب رئيس الجمهورية، سنداً للمادة 56 من الدستور، بحيث تصبح اكثرية الثلثين بدلاً من اكثرية الحضور.
6- تعديل الاكثرية الواجب اعتمادها في المجلس النيابي، عندما يعيد هذا الاخير النظر في القانون الذي ردّه رئيس الجمهورية اليه، سنداً للمادة 57 من الدستور، بحيث تصبح الاكثرية الواجب اعتمادها، ثلثا النواب الذين يشكلون عدد اعضاء المجلس النيابي وليس الاكثرية المطلقة من عدد اعضاء المجلس النيابي.
7- إعطاء رئيس الجمهورية حقّ دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، سنداً للمادة 53 من الدستور وذلك عند وجود الظروف الاستثنائية التي تبرر ذلك.
8- تحديد الحالات التي يفقد فيها كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء شرعيته لمخالفته الفقرة "ي" من مقدمة الدستور، والتدابير الدستورية لإعادة تكوينه، هذه هي ابرز التعديلات.
إن أي حكم جديد، سوف يواجه العقبات والصعوبات نفسها التي اعترضت عمل المؤسسات في خلال السنوات المنصرمة، ما يقتضي معالجة الثغرات الدستورية المعطّلة للنظام، كمشروع إصلاحي يحمل صفة الاولوية. وفي مثل هذا الاصلاح مصلحة لبنانية صرفة خصوصاً وأنه لا يطرح من منطلق تنازع الصلاحيات، بل يهدف الى توزيع المسؤوليات بصورة متكاملة وسليمة.
 
ايها اللبنانيون،
السيدات والسادة،
لقد قيل الكثير عن دور المجتمع المدني، وما يمكن ان يضطلع به من مهام، للمساعدة في نهوض الدولة، ودفعها في اتجاه الاصلاح والتقدم. إنها مناسبة، كي اتوجه الى اهل الثقافة والعلم والفكر المستنير، والى مجمل القوى الحيّة في لبنان، من عمال وفلاحين وموظفين، ونقابات وهيئات مهنية وشعبية، كي يوحدوا صفوفهم وطاقاتهم وأن يعملوا على فرض أنفسهم كقوة مستهابة ومؤثّرة، ليس فقط من خلال المواقف المعلنة والبيانات. بل ايضاً من طريق اللجوء الى كافة وسائل التوعية والاعتراض والضغط التي يجيزها القانون، ومن طريق سلوك آليات المحاسبة والمساءلة، خصوصاً في الانتخابات النيابية، الكفيلة بتوفير انتقال السلطة الى من يراه الشعب أكثر علماً وكفاية وإلتزاماً بالخير العام. كذلك أدعو الشابات والشبان، الذين يختزنون القدرة والحيوية والعزم، الى إنشاء تجمّعات وأحزاب عابرة للطوائف، والانخراط في كل جهد نحو الدولة المدنية، دولة المواطنة والحداثة التي يطمحون اليها.
وكما أن الحرية ولبنان صنوان، فإن لبنان الجمال والسلام والابداع، لا يمكن أن يقوم، بعيداً من قاعدة القيم العائلية والوطنية والروحية، التي بني عليها، وسمحت له بالبقاء والاستمرار والارتقاء.
من هنا، دور وسائل الاعلام، دور المؤسسات التعليمية والتربوية في تعزيز هذه القيم، وإعلاء شأن الثقافة وروح الابداع، والتعاطي الايجابي والبنّاء مع قضايا الامة، لمواجهة مخاطر التقوقع او التطرف، التي قد تدفع المجتمع اللبناني في اتجاه انحداري مدمّر.
إنّنا مدعوون فعلاً الى أن نبني معاً، في هذه المرحلة المفصلية بالذات، عناصر نهضة جديدة نستحقها.

أيها اللبنانيون،
إن التاريخ يسجّل ما يتسبب به القادة من حروب ومآس ودمار، ويغفل في الغالب تسجيل ما يعمل القادة على تلافيه من أزمات ومحن، والتاريخ الحديث للبنان، مثقل ويا للأسف، بمثل هذه الازمات والحروب. حسبي أنّي حرصت خلال السنوات الست المنصرمة، على تغليب منطق الحوار والاعتدال، سعياً لتجنيب لبنان مخاطر الانقسام والاقتتال والتشرذم، بالتوازي مع المواقف السيادية البديهية، التي لا يمكن أي رئيس مؤتمن على الدستور، أن يتخطى مضامينها ومقاصدها.
ويقيني، أنه بوحدتنا وإيماننا وعزمنا، سنتمكن معاً من بناء مستقبل واعد وهانئ، على قياس مجد لبنان وتاريخه ومواهب ابنائه، في الوطن وفي دنيا الانتشار، وهو مستقبل واعد فعلاً بكل المقاييس.

في هذه المناسبة اشكر جميع الذين آمنوا بالدولة، وتعاونوا معي وأعني الشباب الذين وقفوا الى جانبي عبر شبكات التواصل الاجتماعي والجمعيات الاهلية والهيئات الاعلامية والشعبية والمؤسسات الدستورية والسياسية، وأخصّ بالذكر، رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ورؤساء الحكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، والقيادات السياسية والروحية وأعضاء هيئة الحوار الوطني، والوزراء والنواب. كذلك أشكر المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي وقوات اليونيفيل، وملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة وممثليهم، ولاسيّما الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي، على دعمهم لبنان في هذه الفترة الانتقالية الدقيقة للدولة بعد 40 سنة من الممارسة السياسية المقيّدة بالخارج وبالاقتتال الداخلي، نحو الممارسة السياسية الحرّة والاستقرار والسيادة المطلقة والاستقلال الناجز.
أمانتي لدى حكومة المصلحة الوطنية برئاسة الرئيس تمام سلام، الذي اثق به وبوطنيته وشجاعته، وبحكمته التي اتبعها في خلال الفترة القصيرة المنصرمة، وأدعو الوزراء والمرجعيات الدستورية والسياسية الى معاونته ومؤازرته يداً واحدة وقلباً واحداً للحفاظ على البلاد والعباد، وذلك بانتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب الآجال.

ومن منطلق مسؤولياتي الدستورية أيضاً، سأوقع مرسوم دعوة مجلس النواب الى عقد إستثنائي، إذ إن مسؤولياتي الموازية لصلاحياتي، قد أملت علي الإعتداد بالمصلحة الوطنية العليا دون غيرها. فالبلاد هي على مشارف استحقاق الإنتخابات النيابية، ما يستوجب وضع قانون إنتخاب يؤمن التمثيل الصحيح ، ويحافظ على المناصفة.

والأوضاع العامة، قد تشهد أموراً طارئة، تستدعي من الحكومة، إتخاذ إجراءات إستثنائية، ينص القانون على وجوب إحالتها إلى مجلس النواب لإقرارها، لا سمح الله في حالة الطوارىء.

بالإضافة الى ذلك، فإن نظامنا يلزم مجلس النواب، بعقد جلسات لمناقشة الحكومة ومحاسبتها.
إنها أيها السادة، المصلحة العامة، التي أوجبت هذا القرار، وكلي ثقة، بوعي السلطات المعنية وعلى رأسها رئيس مجلس النواب، في تقدير هذه المصلحة، وإيجاد السبل الملائمة للعمل النيابي، في ظل الإشكالية للمطروحة حول التشريع.
كما لا يسعني في هذه المناسبة، إلا أن اذكر الذين عملوا لبناء وطن تعددي غني بثقافاته وتراثه، ينعم بديموقراطية فريدة في عالمنا العربي، والذين بنوا امبراطورية الانتشار اللبناني.
دعونا نعلي بنيانه، فلا ندمّر مجداً،
لنجهد في مسيرة تقدمه، فلا نضيّع حلماً، ولا نبتر مستقبلاً.
والى الشباب اللبناني، عهدي بكم، أنتم ورثة من ابتدع التواصل بين الامم والشعوب، وتجيدون تطبيق هذا فيما بينكم، أن يبقى هذا التفاعل والتواصل ميزة هذا البلد، واحة الشرق، بل قبلته.
عهدي لكم، أنني بين صفوفكم سأبقى أعمل جاهداً من دون تردد،
سأبقى مع شعبي الطيّب فخوراً بأصالته وتضحياته، متطلعاً معكم الى ما يليق به، منارة بين أقرانه، شامخاً في مصاف الدول المتقدمة.

عشتم، عاش لبنان
تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة