الشرق: الرئيس الحكم وانتخابات 6 أيار
بقلم يحي احمد الكعكي -
«... فإن رئيس الجمهورية يترفّع عن الحزبية، ويكون للجميع على السواء، واطلب منه تعالى ان يغلّ نفسي وعقلي ويدي عن النعرات والعنعنات الصغيرة لأبقى كذلك. وأعاهدكم على السير في هذه السياسة التي ترفع الرئيس عن الحزبية، لأن الدستور ارتقى به الى مستوى يقيه المساومة والإستجداء والطلب المذلّ. واتمنى من الله ان أوفّق بما بقي من واجب مهمتي، فأذهب بعدها وأستريح من عناء أضناني».
هذه كلمات مضيئة من خطاب القاه الرئيس الإستقلالي الأول «بشارة الخوري» من فندق «حكيم» في الجماهير الطرابلسية، اثناء زيارته لشمال لبنان في ٥-١٠-١٩٤٥...
وقد رجعت الى هذه الكلمات التي تنطق على واقع «المشهد السياسي» اللبناني الحالي، بعد مرور ٦٩ عاماً من قولها في «العاصمة الثانية» التي لم تكن قد لتهتف او صفّقت لرئيس غير هذا الرئيس «بشارة الخوري» الذي رأت فيه رمزاً لجمهورية لبنانية إستقلالية عربية ديموقراطية. رئيس «حكم» بين جميع القوى اللبنانية، لأن الدستور إرتقى به الى مستوى يقيه المساومة والإستجداء والطلب المذلّ، من هذه القوى او تلك، لأنه لكل لبنان، ومن اجل كل لبنان، مترفعاً عن العنعنات المناطقية، والنعرات الطائفية والمذهبية، ليبقى لكل لبنان...
هذا «الطريق الإستقلالي» الذي عبّده «بشارة» وحماه «اللواء فؤاد شهاب» الرئيس التوافقي الثاني (الاول «كميل شمعون»)، الذي انتخبه كل لبنان في ٣١-٧-١٩٥٨، ليحافظ على لبنان «الصيغة الفريدة» في محيطه العربي، وفي إقليمه الشرق أوسطي، ليبقى لبنان، وبقي لبنان كبيراً بحدوده الدولية المعترف بها منذ ١-٩-١٩٢٠...
وهذا «الطريق الإستقلالي» هو ذاته الذي اقسم على الحفاظ عليه «الرئيس العماد ميشال عون»، وقبله الرئيس الرابع في الجمهورية الثالثة ميشال سليمان الذي انتخبه كل لبنان كثالث رئيس توافقي في ٢٥-٥-٢٠٠٨.
والذي استطاع بالرغم من كل العراقيل والتجاوزات الداخلية، ان يصون «الميثاقية الوطنية»، و«القانون الدستوري الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠»، وان «يحترم القانون»، وان يكون «وسطياً» او «حكماً» بين جميع القوى اللبنانية، مترفعاً عن الحزازات المناطقية»، و«العنعنات الطائفية» و«المذهبية»، و«النعرات الحزبية».
ودعا الجميع -في خطاب القسم- «قوى سياسية ومواطنين الى مرحلة جديدة نلتزم فيها مشروعاً وطنياً، والى تفعيل المؤسسات».
إلاّ أن «بعض» القوى السياسية التي وجدت ذاتها متضررة من «المشروع الوطني» و«تفعيل المؤسسات» وقيام «دولة القانون» راحت تبتز «الرئيس الحكم» لتصويره ضعيفاً في «طائفته» وفي «ادارته للدولة»، لتبقى هذه القوى -قوى الأمر الواقع- تشارك «السلطة الرئاسية» في اتخاذ» القرار النهائي للدولة اللبنانية» بهدف ان تبقى هذه الدولة مجرد «كيان اجتماعي» لا حول له ولا قوة، ليسهّل من ثمّ على هذه القوى القيام بـ«خطف الدولة» بعد شلّها وخصوصاً بعدما اكد «الرئيس سليمان» في افطار الوحدة الوطنية، بالقصر الجمهوري في ٢٥-٧-٢٠١٢ -وكان لبنان على أبواب الانتخابات النيابية- على ان: «لا مكان لسيطرة فريق فئوي على آخر، ولا لطائفة على أخرى، ولا غلبة للسلاح على أرض لبنان، ولتحدّد صناديق الإقتراع لا صناديق الذخائر والسلاح مستقبل شعبنا ومستلزمات تقدمه وعزّته وهنائه»..
فكان ردّهم «تطيير الانتخابات النيابية» التي كانت ستفقدهم -في حينه- قوّتهم البرلمانية في التحكّم بانتخاب «رئيس الجمهورية اللبنانية» الـ١٣ منذ العهد الاستقلالي ١٩٤٣ وهذا ما تم فعلاً..
واليوم والانتخابات النيابية التي حديث كل لبنان تطرق الأبواب، تذكرت هذه الكلمات لأول رئيس في «الجمهورية الثانية» بعد الإستقلال ١٩٤٣، وأنا أسمع واشاهد كلام خامس رئيس جمهورية في «الجمهورية الثالثة» العماد «ميشال عون» حاثاً اللبنانيين على «نبذ المشاعر الطائفية والعصبيات، لأن من يؤججها يتلاعب بمصير الوطن»..
والى المرشحين ليخاطبوا «عقول الناخبين، معتبراً ان الشحن الطائفي هو اول طريق الفتنة»..
كما حثّ اللبنانيين على أن يتحرروا من «وسائل الضغط والإغراء التي تفسد الضمائر.. والى عدم الإقتراع لمن يدفع ويسخى بالمكرمات لأن من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعباً عليه ان يبيع الوطن»..
كلام وطني.. ولكن القانون الإنتخابي مبني على الطائفية والعصبية والرئيس يريد ان يكون رئيساً حكماً في هذه الظروف الدقيقة..