16 تموز 2018
ملاحظات غير مطمئنة عما بعد التأليف
روزانا بو منصف 
على رغم ان مهلة تأليف الحكومة لم تتخط مهلة تأليف الحكومات على نحو عادي وطبيعي وليس استثنائيا كما حصل مرارا على سبيل المثال ابان رئاسة الرئيس ميشال سليمان، فان التوقعات كبرت في هذا الاطار تحت وطأة الخطوط العريضة التي نسبت الى الرئاسة الاولى من ان حكومة سريعة ستتألف بعد الانتخابات وانها ستكون الحكومة الاولى لولاية الرئيس العماد ميشال عون بحيث ستغدو حكومة لا تنطبق على هذه الخطوط تراجعا او نكسة له. وتاليا فان الضغط الذي يمارس على الرئيس المكلف سعد الحريري هو من اجل دفعه الى التنازل تحت ذريعة الاسراع في تأليف الحكومة خصوصا مع ادخال الموضوع الاقتصادي على الخط وإلحاح الدول الغربية على ضرورة المسارعة في عملية التأليف للاستفادة من زخم الدعم للبنان في المؤتمرات التي عقدت من اجله. لكن خلف الكلام الرسمي والشروط في هذا الاطار ثمة مؤشرات لتراجع الثقة بان ما بعد الانتخابات سيكون مختلفا عما قبلها. وهناك ملاحظات كثيرة يتصدى لها سياسيون وخبراء دستوريون بعيدا من العلن لعدم اخذ جانب سياسي في هذه المرحلة . بين هذه الملاحظات ما يبديه النائب السابق والخبير الدستوري حسن الرفاعي مثلا حول حصة رئيس الجمهورية في الحكومة العتيدة وحول دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري مجلس النواب الى جلسة عامة لانتخاب اللجان النيابية المشتركة. ففي هذه النقطة الاخيرة يعتبر الرفاعي ان الدعوة التي وجهها بري سواء كانت لاسباب تتصل بالضغط على رئيس الحكومة من اجل الاسراع في تأليف الحكومة او من اجل الايحاء بان مجلس النواب لا يمكن ان ينتظر طويلا وامامه الكثير من العمل بعد انتخابه هي دعوة مخالفة للدستور كون لا دورة عادية للمجلس النيابي تسمح بذلك راهنا ولا دورة استثنائية ايضا ويضاف اليهما ان لا حكومة قائمة بحيث ان اطلاق عمل اللجان لا يستوي من دون وجود وزراء يشاركون في اعمالها. وتاليا لا منفعة للجان من دون حصول التأليف مما يطرح تساؤلات عن الجدوى من تشكيل اللجان. ويتناول الرفاعي ايضا الخروقات الحاصلة على خط تأليف الحكومة والتي يسجل فيها تجاوزات لصلاحيات الرئيس المكلف لكن ايضا ثمة مآخذ يبديها على الحصة التي يطالب بها رئيس الجمهورية لنفسه في الحكومة انطلاقا من ان الدستور لم يعط رئيس الجمهورية حق التصويت في مجلس الوزراء كونه من يحلف اليمين على المحافظة على الدستور وحماية مبادئه في المساواة والعدالة والانصاف ولانه يمثل الدولة كلها وتاليا بمراقبة كل عمل خارج اطار الدستور. وحين يطالب رئيس الجمهورية بحصة وزارية فانما ذلك لكي يكون لديه وزراء يصوتون باسمه على نحو غير مباشر وحين يصوت هؤلاء لمصلحته فانما ذلك يجعله يفقد دوره لانه بذلك يدخله في "بازار " ما يجري على طاولة مجلس الوزراء اكان ذلك يتناول صفقات معينة او اتجاهات سياسية معينة . وهذه النقطة اخذت وتأخذ جدلا كبيرا لكن ما يجدر ذكره ان رئاسة العماد عون التي انتظرها طويلا مع جمهوره لم تنجح في اخراج ادبيات الرئاسة الاولى، وعلى غير ما قد يكون اراد حين طمح الى الرئاسة ، من الطائفية التي زادت الى حدود كبيرة على خلفية سياسات تياره في هذا المنحى الى درجة اعتمادها علنا من الطوائف الاخرى ، وكذلك من اتهام المسيحيين لا بل الموارنة انهم لا يرون في لبنان سوى التوظيف والتقاتل على الرئاسة الاولى . 

في الجانب المتعلق بالالتزامات السياسية لاحقا ومنها النأي بالنفس فان ثمة ترقبا اذا كان لبنان سيعمد الى فتح قنوات رسمية مع نظام الرئيس بشار الاسد بمعزل عن قرار من الجامعة العربية او مبادرة منها وما الذي يمكن ان يجنيه من ذلك وفق ما بدأ يلمح سياسيون محسوبون على رئيس الجمهورية تحت ذريعة الاعتبارات الاقتصادية. واذا كان لرئيس الجمهورية موقف في هذا الاطار فيما رئيس الحكومة المكلف يتخذ موقفا علنيا مناقضا فاي اتجاه سيأخذه لبنان . فهناك افرقاء يدفعون في اتجاه شرعنة وجود الاسد على قاعدة ان الحرب انتهت واسلس له الامر في حين ان المقاربة غير اللبنانية تختلف عن ذلك على نحو كلي وتنقض ما يدفع به افرقاء سياسيون الى الواجهة على هذا الصعيد. واستكمالا لمنطق النأي بالنفس تشير معطيات مطلعين الى ان "اعلان بعبدا" الذي وافق عليه الجميع بحماسة واقر في حزيران 2013 اشار في احد بنوده الى وجوب متابعة مناقشة الاستراتيجية الدفاعية . وبعد ثلاثة اشهر وعقب جلستي حوار طغى عليهما طابع التأكيد على المجاهرة باعلان بعبدا وملاحقة اعتماده كوثيقة اممية تقدم رئيس الجمهورية ميشال سليمان آنذاك بمشروعه للاستراتيجية الدفاعية من اجل درسه ومناقشته في الجلسة التي تلي. ومنذ ذاك الحين انقطع "حزب الله" عن حضور جلسات الحوار ومعه بعض حلفائه وبدأت التصريحات تتوالى ضد "اعلان بعبدا". وتوقفت جلسات الحوار حتى العام 2014 حيث عقدت جلستان قبل نهاية ولاية سليمان حضرهما الرئيس بري الذي كان يبدي استعداده الدائم لحضور الجلسات بصرف النظر عن حضور الحزب وحلفائه. والاستنتاج هو ان رفض "اعلان بعبدا" جاء نتيجة للتقدم بمشروع الاستراتيجية. ومن هنا علامات استفهام ازاء اي مساومة ستحصل في الحكومة المقبلة حول هذا الموضوع وقدرة رئيس الجمهورية علما ان الظروف مختلفة جدا . ففي مطلع ايلول المقبل يقدم مشروع الموازنة الاميركية الى الكونغرس . وثمة من يعتقد ان واقع لبنان وحكومته العتيدة في حال تكون قد تألفت سيكونان على المحك ولذلك المؤشرات غير مشجعة وغير مطمئنة.
تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة