شوقي المصري
لقاء جديد مع الأمل في «لقاء الجمهورية»
التقيته للمرة الأولى في المؤسسة العسكرية، مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، وتعمقت علاقتنا بعد أن أصبحت رئيساً للأركان، وكان هو قائدا للجيش، واستمرت العلاقة وطيدة بعد أن تم انتخابه بشبه إجماع ليصبح فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، واستلمت منه مهمتي الجديدة كقائد للجيش بالإنابة.
كان ذلك القائد الوطني، صاحب القرارات الحكيمة، البعيد عن التعصب والفئوية، كان همّه الأول والأخير أمن لبنان واستقراره، وإعلاء كلمة المؤسسة التي يقودها.
حارب الإرهاب في الضنية أواخر العام ١٩٩٩ وانتصر عليه، وحافظ بحكمته على الأمن في أكبر تظاهرة سلمية عرفها لبنان بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥، وأعاد رفع العلم اللبناني على تلة اللبونة بعد عودة السيادة الى الجنوب في العام ٢٠٠٦، واتخذ القرار بمواجهة الإرهاب في مخيم نهر البارد، وكنت إلى جانبه، فانتصر الجيش وبقي لبنان.
زادته الرئاسة الأولى كبرا دون تكبر. زهد بالحكم فرفض عروض التمديد، وأصر على التقيّد بأحكام الدستور وترك القصر الرئاسي يوم انتهاء ولايته، ورغبة منه، ومنا، بمتابعة النضال من أجل بناء دولة حديثة، كان بيننا لقاء جديد مع الأمل، في «لقاء الجمهورية» برئاسة فخامته.
التقت في هذا اللقاء نخبة من أهل العلم والمعرفة والاعلام والسياسة والادارة والقانون ومن الرفاق الضباط، من المناطق والمذاهب كافة، فشكلوا نموذجا يحتذى، في بلد يعتبر التمسك فيه بالانتماء المذهبي والطائفي قبل أي انتماء آخر، وطني أو قومي، هو الأساس، مما شكل أهم مصدر للمشاكل، وأدى إلى سهولة الانزلاق في التبعية للخارج، والولاء له قبل الولاء للوطن، فغدونا وبكل أسف دمية صغيرة في لعبة الأمم الكبيرة.
تقاتلنا في الداخل بكل الطرق واستعملنا كل الوسائل من أجل زيادة المكاسب لفئة على حساب الفئات الأخرى، حتى أصبحنا نعيش في بلد ونظام يعتمدان التفرقة بكل معانيها، نظام «ابارتهايد» بكل ما فيه من عبثية وتوحش وظلم وعبودية، ونحن نعتقد خطأ أننا نمارس حريتنا كاملة في بلد الحرية والديموقراطية كما ندعي، حتى بات ينطبق علينا، كشعب، قول الفيلسوف غوتيه «ثمة عبودية لا يمكن الانعتاق منها، إنها العبودية التي يعيشها الإنسان وهو مقتنع بأنه حر».
ويتكلمون بعد ذلك عن الوحدة الوطنية، ويكثرون من استعمال هذا المصطلح الذي أصبح دون معنى، لأن استخدامه بات ينطلق من الكذب على الذات ويشكل الأساس في الكذب على الآخرين.
وكان «لقاء الجمهورية» بمثابة الضوء في النفق المظلم، حيث تأسس على قناعات لدى الرئيس، اقتنعنا نحن بها، فسرنا معاً على أمل تحقيقها رغم الصعوبات الجمة التي ستعترض طريقنا، في هذا الوضع المضطرب والاستثنائي الذي وصلت إليه البلاد.
ايماننا كبير ومطلق بممارسة الحرية في ظل الديموقراطية الصحيحة، وبتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وبتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، وذلك بالتقيد بإعلان بعبدا الذي أقرته جلسة الحوار الوطني في العام ٢٠١٢ بإشراف فخامة الرئيس سليمان، والذي اعترفت به جامعة الدول العربية، والمجموعة الأوروبية، والجمعية العامة للأمم المتحدة.
نؤمن أيضاً باحترام الدستور، والدفاع عن المؤسسات الدستورية والعامة، وندعو الى اقرار الاستراتجية الدفاعية، وإلى تطبيق اللامركزية الإدارية، وإلى إصلاح القانون الإنتخابي الحالي، وإلى إدخال بعض التعديلات الضرورية على الثغرات الدستورية، بعد أن أقمنا ورشة خاصة لهذا الهدف، وزودنا المرجعيات المعنية بنتائجها.
نأمل أن يبادر المسؤولون، ولو متأخرين، إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإلى محاربة الفساد، ومحاكمة الفاسدين، والى العمل على تعزيز الوحدة الوطنية الفعلية، على حساب التجمعات المذهبية.
وعلى أمل أن نشهد قريباً ولادة الحكومة الجديدة بعد طول تعثر، نتمنى أن يبقى «لقاء الجمهورية» اطارا جامعا لكل المخلصين، والوطنيين المؤمنين بوحدة الأرض والشعب، وبديمومية الوطن الواحد لكل أبنائه، بعيدا عن أي ارتهانات خارجية أو ولاءات أجنبية، ولكل المنحازين للدفاع عن المؤسسات الدستورية والوطنية والشرعية دون سواها، وفي طليعتها المؤسسات الأمنية والقضائية، كي يسود الأمن وتتأمن العدالة على كامل التراب الوطني.