احمد الغز
عندما يكذب النظام اللبناني!
حوّل الإعلامي الكبير سليم اللوزي، قبل ما يقارب الأربعين عاماً، وقائع لقاء سياسي إلى ما يشبه التحقيق الصحفي تحت عنوان: «عندما يكذب النظام»، وكانت النتيجة أنه خُطف واغتيل خلال عودته إلى بيروت لحضور مراسم وفاة والدته، وقبل ما يقارب الثلاثة عشرة عاماً استحضر رئيس تحرير جريدة النهار جبران التويني تلك اللمعة الصحافية وكتب مقالاً بعنوان: «لماذا يكذب النظام» وهذا العنوان هو أصل الرسالة التي تسلمها سليم اللوزي وكانت النتيجة عينها، واغتيل جبران التويني صباح عودته إلى بيروت من باريس.
كثيرة هي الوقائع المماثلة التي ذهب فيها الإعلام اللبناني إلى ما وراء الحدث، وكثيرة هي عمليات الاغتيال التي تعرّضت لها حرية الصحافة في كشف الحقائق على قاعدة عندما يكذب النظام أو التنظيم أو الزعيم، وتلك الاغتيالات جعلت من الكذب عند السياسيين هي القاعدة وقول الحقيقة هو الاستثناء، وأصبح الاستقطاب السياسي في لبنان يقوم على مدى قدرة الزعيم أو التنظيم بالكذب على الناس، وخصوصاً عندما أصبح النظام الجمهوري البرلماني اللبناني خارج الوصايات المباشرة، وأصبحت الحكومات والرئاسات تحتاج إلى أشهر وسنوات وأصبح النظام يكذب ليل نهار.
يكذب النظام اللبناني خوفاً من الناس ليُبرّر الفشل والاستهتار بالدولة ومؤسساتها، وتعريض الاستقرار العام إلى مخاطر الانهيارات الاقتصادية والأمنية والسياسية، ويختبئ النظام خلف الكذب عندما يتحدث عن عدالة التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية، في حين أن الحقيقة هي تمزيق الوحدة الوطنية، وتعميق سياسة الاستتباع والاستهتار والاستقواء بالدول والسفارات وأجهزة المخابرات بالكذب على النفس وعلى الناس، متناسياً أن ما كان قبل سنوات لم يعد قائماً الآن.
يكذب النظام البرلماني اللبناني عندما لا يُصارح الناس بأن لبنان يدخل مرحلة من التحوّلات الدقيقة والخطيرة في آن، وأن الحكومة هي أمام خيارين لا ثالث لهما، أما إعلان بعبدا ٢٠١٢ الذي يتضمن استراتيجية دفاعية، أي استيعاب السلاح داخل الدولة، وتنفيذ إصلاحات دستورية والذهاب باتجاه الحياد، والالتزام بالقرارات الدولية وقوات الطوارئ في الجنوب وبمؤتمرات «سيدر» وبروكسل وروما، وهذا الاحتضان الأوروبي والفرنسي تحديداً للبنان، كلّف الكثير من الالتزامات الإقليمية والدولية، تفادياً لاشتعال الجبهة مع إسرائيل في ظل المواجهة الأميركية الإيرانية المحتدمة.
يكذب النظام الجمهوري البرلماني في لبنان عندما لا يُصارح اللبنانيين بحقيقة المواجهة الكبرى المحتملة، والتي يتمّ التحدث عنها بأدبيات قديمة بين لبنان وإسرائيل، لأن الحرب إذا وقعت ستكون كارثية بسبب التموضعات الإقليمية والدولية في نزاعات، مع توهّم إسرائيلي بالعودة بلبنان إلى أيام اتفاق «١٧ أيار»، يكذب النظام عندما يتصرّف بثقافة الوصاية على اللبنانيين وليس بمسؤوليته عن إنقاذ لبنان من الانهيارات الأخلاقية والسياسية والاستتباع منذ إلغاء اتفاق «١٧ أيار» الذي أسقطه كل الناس كرهاً وعداءً لإسرائيل.
يكذب النظام عندما لا يُميّز بين السلطة والسياسة، وتكذب أدوات النظام عندما لا تُميّز بين الدعاية والإعلام الحرّ وبين الترويج والصحافة، ويكذب النظام عندما يخلط بين حقوق الطوائف وحقوق الأفراد والمناطق، ويكذب النظام عندما لا يُميّز بين أهل الكفاءة وأهل الولاء، ويكذب النظام عندما لا يُميّز بين خواء البطون وخواء العقول، ويكذب النظام عندما لا يُميّز بين الحصانه السياسية والرقابة والمساءلة، ويكذب النظام عندما لا يُميّز بين الانتصار والنجاح، ويكذب النظام عندما لا يُميّز بين أبناء الوطن وأعداء الوطن، عندما يكذب النظام يخرج الناس من الانتظام العام وعلى الدنيا السلام، ولا يستطيع النظام اغتيال كل الناس.