10 حزيران 2019
بين رحيل غسان تويني و"إعلان بعبدا"

الرئيس ميشال سليمان
في وقت تغرق فيه البلاد بالتجاذب السياسي والكيديات والتراشق فوق سطوح الأزمة وخطورة الوضعين الأمني والاقتصادي على النمو الذي انحدر إلى أدنى معدلاته منذ ما قبل الاستقلال، ناهيك بارتفاع جبال النفايات المكدسة وتدفق الانهار الفياضة بالمياه الآسنة والكهرباء المشطِطَة في المياه الملوثة بشتى أنواع الموبقات، وفي ظل موازنة غير متوازنة، ومشادات غير موزونة، وتوازن سياسي مصاب بخلل فاضح، وشعب يئن تحت عتبة البؤس حالمًا بالهجرة، وجيش مهدد من أعداء لبنان في الخارج ومن غالبية الساسة الأفاضل. ومع تقدم موجة العقوبات الدولية على إيران واحتمال تطاير شظاياها صوب لبنان وجزء أساسي من شعبه، جاء "الخبر السار" ان في لبنان المنكوب والمنهوب ستُصنع الصواريخ الدقيقة.

وفي عز القرقعة والزمجرة وأزيز الرصاص السياسي المتطاير على طول البلاد وعرضها، أطل الارهاب برأسه من جديد مستهدفًا الفيحاء في أقدس لياليها حاصدًا أربعة شهداء من خيرة الرجال، غير آبه بهوية المستهدف بقدر حرصه على الانتقام من بزة احبطت مشروعه في جرود الضنية وحطمت أحلامه في نهر البارد ورسمت صورة لبنان القوي بجيشه الحائز دعم شعبه المطلق.

ومع هذا الكم من الأزمات تأتي الذكرى الـسابعة لغياب الحاضر أبدًا في وجدان السياديين غسان تويني الذي حذّر من "عروقه" لبنان ونادى بضرورة تحييده بدلًا من الانتحار الجماعي (افتتاحية "النهار" في العاشر من اذار سنة 2008)، أي قبل 75 يوماً من إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخابي رئيسًا للجمهورية. يومها كنت في اليرزة قائدًا للجيش واقتنعت تمامًا بإيجابيات تحييد لبنان. 

وتماهيًا مع دعوات غسان تويني للاستعجال بالحوار، شُكلت هيئة الحوار الوطني وانعقد الاجتماع الأول في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية. وكان لمداخلات تويني نكهة مميزة واصفًا هيئة الحوار بـ"الابداع الديموقراطي اللبناني"، تجتمع فيها السلطات الدستورية كافة، كما الموالاة والمعارضة والمستقلين والمجتمع المدني لمناقشة هادئة وهادفة لمواكبة الاستحقاقات الوطنية بعيدًا من وطأة التصويت والمزايدات الشعبوية أمام شاشات التلفزة.

لقد أغنى غسان تويني هيئة الحوار في بداياتها باقتراحه "ميثاق شرف بين المتحاورين" من أبرز بنوده: "الالتزام بالمسلمات التي أطلقها خطاب القسم (25 ايار 2008)"، "وقف الحملات التحريضية والتخوينية"، "التمييز بين الحوار والمناظرة والمباراة الخطابية"، "عدم التحجر في المواقف والانفتاح على إمكانية الاقتناع"، "التسليم بإمكانية الاختلاف بالرأي دون الولوج إلى الخلافات العقائدية والدستورية أو تلك التي تكون امتداداً للنزاعات الاقليمية".

وفي اليوم الثالث على رحيل المرحوم غسان تويني، أقرّت هيئة الحوار الوطني بالإجماع (11 حزيران 2012) "إعلان بعبدا"، جوهره "تحييد لبنان عن صراعات المحاور" وضرورة مناقشة الاستراتيجية الدفاعية وإقرارها. وعلى رغم اعتماده وثيقة رسمية لمجلس الأمن والجامعة العربية، واعتبار كبرى الدول الصديقة "إعلان بعبدا" مرجعية، تنكّر له "حزب الله" بعد انغماسه في الحرب السورية على قاعدة "حيث يجب ان نكون سنكون".

في هذه الذكرى، نقف على أطلال دولة مهددة غير موثوق بها، لا حوار فيها ولا تحييد بل شتائم متبادلة تتقاذفها مواقع صُنعت للتواصل فصارت لتقطيع الأوصال. لا استراتيجية دفاعية ولا استراتيجية اقتصادية ولا رؤية لحل المشكلات العالقة والمزمنة. نقف، وأمامنا جيش حرمته الكيديات هبة سعودية غير مسبوقة في تاريخه ومكتسبات أخرى، وحزب يتغنى بامتلاك صواريخ دقيقة ويستبق الاستراتيجية الدفاعية بالتهويل بإنشاء مصانع لهذه الصواريخ.

في هذه الذكرى (عشيّة صدور "إعلان بعبدا")، نردد بلسان غسان تويني: "ارفعوا أيديكم عن لبنان"، "حيّدوا لبنان كي تسلموا أنتم كما يسلم لبنان ويعود موئلًا للحرية والديموقراطية والحضارة والإنماء المتنامي وعاصمة الأخوّة الحقّة وحوار الأديان والثقافات". "هذه المرة لن يكون في وسع أحد حماية أحد آخر من التهام الأخضر قبل اليابس". "فتبصروا وحذار... وقد أعذر من أنذر، التحييد وحده في وسعه أن يكون خشبة الخلاص من جنون الانتحار المشترك".

https://newspaper.annahar.com/article/982237-بين-رحيل-غسان-تويني-وإعلان-بعبدا

تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة