إطلاق “الجبهة المدنية الوطنية”: الثورة مستمرة
تحت عنوان “الثورة مستمرة”، تلاقى عدد من ناشطي ثورة 17 تشرين ومجموعاتها وقادة الرأي من أكاديميين وقضاة وسفراء سابقين وضباط متقاعدين، مطلقين “الجبهة المدنية الوطنية” إطاراً وطنياً جامعاً لتنسيق العمل وتوحيد الجهود للوصول إلى تحقيق مطالب الثورة.
افتتح اللقاء بالنشيد الوطني، ثم دقيقة صمت عن أرواح شهداء ثورة 17 تشرين وكل شهداء لبنان، ففيلم وثائقي بعنوان “من أجل لبنان”، ثم تُلي نصّ الوثيقة التأسيسية التي تشدد على ثوابت: تشكيل حكومة مستقلة، وإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة، وبناء قضاء مستقل، وتنفيذ إصلاحات بنيويّة وقطاعيّة، والتشبّث بالسيادة اللبنانية، وتثبيت مسار الدولة المدنية، وبناء اقتصاد وطني منتج ومستدام في خدمة المواطن، ثم عقدت خلوة للمشاركين لمناقشة آليات المتابعة.
نص الوثيقة:
الثورة مستمرة – الجبهة المدنية الوطنية
تتسارع التطورات الميدانية على الساحة اللبنانية وتتخذ منحىً بالغ الخطورة يهدد بزوال الكيان اللبناني، وانهيار الدولة بكامل مؤسساتها. المجاعة تزحف وتقضّ مضاجع اللبنانيين، نصفهم يعيش اليوم تحت خط الفقر، وثلثهم في فقر مدقع. البلد الصغير منكشف أكثر من أي وقت مضى على الصراع في الإقليم، الجرح السوري يستنزفه أمنيا واقتصاديًا عبر الحدود المتفلّتة، وتداعيات العقوبات الدولية وآخرها تدابير قانون قيصر.
أمام هذا المشهد، تقف السلطة عاجزة، أسيرة قوى المحاصصة المطبقة على النظام السياسي والاقتصادي. أكثر من مئة وخمسين يومًا مضت على تشكيل الحكومة، وليس هناك من إنجاز واحد يشير الى أنّ البلاد وُضعت على طريق الإنقاذ. بل على العكس، المفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي، والقرارات القليلة المتّخذة وآخرها التعيينات الإدارية أو تلك المتعلّقة بقطاع الكهرباء، تدلّ على أنّ مسار الحكم ماضٍ في اتّجاه تكريس نظام المحاصصة على حساب الإصلاحات، مما يعني تسريعًا للإنهيار.
نجح أركان نظام المحاصصة في الانقلاب على الثورة مرحليًا مستفيدين من جائحة كورونا وانحسار حركات التظاهر والاحتجاج من جهة، ومن خداع الشعب اللبناني بحكومة “تكنوقراط” من جهة أخرى، وذلك بعدما فشلوا في تخوين الثورة أو إغراقها في المستنقع الطائفي.
أمام الانهيار الاقتصادي والانسداد السياسي وتعنّت منظومة الحكم بمواقفها ومكاسبها، عادت الثورة الى الساحات والشوارع مدفوعةً بغضب الجياع وصرخات القهر ومرارة الشعب المخدوع. ولم يبق أمام الثوار سوى أن يمسكوا مصيرهم بأيديهم وأن يستعيدوا القرار بعدما أسقطوا الوكالة التي أعطوها لممثليهم.
يطلق المجتمعون اليوم “الجبهة المدنية الوطنية” منصةً مفتوحة لجميع الثوار ومجموعات المجتمع المدني وأهل الرأي للانضمام لثوابتها وتوحيد الجهود من أجل تلافي الانهيار ووضع البلاد على طريق الخلاص.
في الثوابت
تنطلق الجبهة المدنية الوطنية من الثوابت المؤسِسة الآتية:
– تحقيق مطالب ثورة 17 تشرين لاسيما تشكيل حكومة مستقلة، وخلق البيئة المناسبة لإجراء إنتخابات نيابية حرة ونزيهة وديمقراطية، وبناء القضاء المستقل كمدخل لمقاضاة الفاسدين واسترجاع المال المنهوب ومواجهة الفساد بكافة أشكاله، واستعادة الثقة بلبنان كدولة قانون.
– تنفيذ الإصلاحات البنيويّة والقطاعيّة التي أصبحت شرطًا للمساعدات الدولية، بما ينهي نظام المحاصصة ويعزز الحوكمة المسؤولة، بموازاة إصلاحات جذريّة تتناول السياسة النقديّة وتعيد ترتيب القطاع المصرفي، بما يخدم قطاعات الإنتاج ويعيد الثقة، ويكرّس الحقوق الأساسية للأفراد ويعزز شبكة الأمان الاجتماعي.
– التشبّث بالسيادة اللبنانية بكافة مقوّماتها والعودة إلى كنف الشرعيتين العربية والدولية عبر احترام قرارات الجامعة العربية والأمم المتّحدة، وحصر قرار السلم والحرب في يدّ السلطات اللبنانية، والأمن بالقوات العسكرية الشرعية اللبنانية والنأي بلبنان عن صراعات الاقليم تطبيقًا لإعلان بعبدا الذي أضحى وثيقة دولية، ووضع سياسة خارجية تخدم أولاً وآخراً المصلحة الوطنية العليا.
– تثبيت مسار الدولة المدنية انطلاقًا من مندرجات الدستور اللبناني، ومن الإصلاحات الدستورية التي أقرّت في اتّفاق الطائف، لاسيما تلك المتعلّقة بإلغاء الطائفية، وتكريس سلطة القانون (ولا أي سلطة بديلة) لحماية حقوق الأفراد، وتحصين الحريات، وتأمين تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، مع التأكيد على ما ورد في الدستور لجهة احترام جميع المذاهب والأديان.
– بناء اقتصاد وطني منتج ومستدام في خدمة المواطن. اقتصاد يهدف الى خلق فرص العمل، ويطلق محركات النمو، وقادر على تمويل شبكات الأمان الاجتماعي.
في مهمة الجبهة
تعمل الجبهة على تكريس مطالب الثورة انطلاقاً من روحية ما نادى به الشعب في 17 تشرين الأول 2019، وتضع في رأس أولوياتها تشكيل حكومة مستقلة ذات صلاحيات إستثنائية تضطلع بالمهام التالية:
أ – وضع خطة اقتصادية إنقاذية قابلة للحياة، تتخطى الانسداد الحاصل، وتنطلق من تقييم علمي للقدرات الوطنية ولشروط ومقوّمات النجاح بهدف تحويل الاقتصاد الريعي الى اقتصاد منتج ومستدام، وإقرار التشريعات اللازمة لتحفيز وحماية قطاعي الزراعة والصناعة لما لهذين القطاعين من تأثير في تأمين فرص عمل وتحقيق عائدات بالعملة الصعبة.
ب – تنفيذ الاصلاحات الهيكلية المطلوبة لبرنامج الإنقاذ الاقتصادي، بما في ذلك الإصلاحات الهيكلية المتعلّقة بالمالية العامة والتهرب الضريبي والسياسة الضريبية وإصلاح القطاعين النقدي والمصرفي، وقطاعات الإنتاج (كهرباء، مياه، نفايات، اتصالات).
ت – تنظيم إنتخابات نيابية مبكّرة مع إقرار نظام انتخابي يحقق عدالة التمثيل، ويعالج كافة الثغرات المتعلّقة بالإدارة الميدانية للانتخابات، وذلك كمقدّمة للإصلاح السياسي وتحقيق اللامركزية الإدارية وفق مندرجات وثيقة الوفاق الوطني.
ث – إتّخاذ التدابير التي تكرّس إستقلالية القضاء، وضع برنامج تنفيذي لمحاربة الفساد واسترجاع الأموال العامة المنهوبة بما لا يستثني أيًا من المسؤولين السياسيين والإداريين الذين تعاقبوا على الحكم وإدارة الموازنات العامة.
ج – إقرار نظام للحماية الاجتماعية الشاملة يساهم في معالجة الاختلالات البنيويّة التي يعاني منها اللبنانيون في مجال الصحة والتعليم وضمان الشيخوخة ومحاربة البطالة.
في سلوكيات الجبهة
تغليب المصلحة المشتركة أولاً، وإعلاء المصلحة العامة على أي اعتبار، وتجاوز تباينات وجهات النظر لدى بعض مجموعات الثوار، فالثورة تستحق التضحيات.
– التنسيق والتعاون من خلال العمل المتواصل على توسيع قاعدة المشاركة لتشمل جميع الناشطين في الثورة، وتفعيل التنسيق في ما بينهم، وتغليب روح التعاون، ففي ورشة إنقاذ الوطن لكلٍّ موقعه ودوره.
– توزيع الأدوار والمهام بما يعني الفصل بين العمل في إدارة الجبهة والرغبة المشروعة في الترشّح للانتخابات أو تبوء أي مركز رسمي، وذلك قطعًا للطريق على إمكانية تسخير الجبهة لأهداف شخصية.
– تشكّل الثوابت المذكورة أعلاه قاعدة المبادئ الجامعة للثورة، وهي مثابة إطار شامل لتحديد أولويات الإصلاح وقيادة برنامج الإنقاذ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
– الوحدة في التنوّع: من خلال محافظة التحالفات والمجموعات والشخصيات المنضويّة في الجبهة على إستقلالية عملها ونشاطها السياسي بما فيه إعداد البرامج، والبيانات، والمواقف، على ألا تتعارض مع أسّس ومضمون هذه الوثيقة.
– منصّة مفتوحة وغير مغلقة: تخضع إضافة أي بند أو ملحق على هذه الوثيقة للأصول الديمقراطية بحيث تنظم الجبهة لقاءًا جامعاً لمناقشة أي موضوع وبلورة موقف مشترك منه كشرط لأي إضافة.