فارس خشان- تحدّيات إنقاذ لبنان من انحياز "حزب الله"
الحرة:
فارس خشان- تحدّيات إنقاذ لبنان من انحياز "حزب الله"
إن التفاوت هائل بين رجل مسلّح وآخر مجرّد من السلاح. ليس طبيعيا أبدا أن يخضع الأوّل للثاني".(مكيافيلي)
أضافت فرنسا في الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها جان إيف لودريان للبنان، لمساتها الداعمة لدعوة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى "التحييد". هذا الدعم لم يتجلَّ في الزيارة التي قام بها هذا الوزير الفرنسي المخضرم لبكركي فحسب، بل أيضاً في إدراج البُعد السيادي ضمن خارطة الطريق التي وضعتها بلاده لإنقاذ لبنان من الجحيم الذي رُمي فيه.
وخريطة الطريق التي أعلن عنها لودريان في بيروت ليست جديدة، بل هي تتناغم مع تطلعات مؤتمر "سيدر" الذي حاول أن يمنع انهيار لبنان، قبل سنتين من حصوله، كما مع توصيات "المجموعة الدولية لدعم لبنان"، ناهيك عن روحية قرارات مجلس الأمن الدولي على اختلاف أرقامها بدءاً، بالقرار 1559 الذي يخشى كثيرون حتى مجرّد التلفّظ به.
إنّ جلّ ما فعله لودريان في لبنان أنّه قرّر أن يُسقط الإبهام الدبلوماسي عن موقف بلاده المنسّق كلّياً مع المجتمع الدولي.
وطالما استفاد المسؤولون اللبنانيون من هذا "الإبهام الدبلوماسي"، فاكتفوا بالحديث عن البُعد التقني ليستعملوه في صراعات الأحجام وتصفية الحسابات، وأهملوا كل كلام على البُعد السيادي، وذلك من أجل تبرير خضوعهم لإرادة "حزب الله"، خوفاً هنا وطمعاً هناك.
وعليه، يمكن وصف زيارة لودريان للبنان، بأنّها "عملية إسقاط الاحتيال"، فإنقاذ لبنان لا يكون إلّا بإخراجه من مسببات انهياره التي تتمثّل في الفساد، وإهمال إرادة الشعب، و"التشاركية" العسكرية بين الجيش اللبناني و"حزب الله"، وإقحام لبنان في نزاعات المحاور وحروب المنطقة.
ولكن، كيف يُمكِن للبنانيين أن يُنقِذوا أنفسهم وبلادهم، طالما أنّ المطلوب منهم، وفق كلمات الوزير الفرنسي، "أن يساعدوا أنفسهم حتى يساعدهم الله"، وهم المجرّدون من السلاح، يواجههم "حزب الله" المسلّح الذي، ومن خلال سطوته على المؤسسات الدستورية، يتحكّم بالقرار السياسي للجيش اللبناني وسائر القوى المسلّحة والمديريات الأمنية؟
وكان الحزب قد تولّى هذه المواجهة، فأحبط ثورة 17 أكتوبر ومفاعيلها، وها هو حالياً، ومن خلال تكتيك "القيادة من الوراء" يقود حملة ضد البطريرك الراعي، بهدف إحباط الالتفاف الوطني، حول مطلب "تحييد" لبنان.
وفي كلتا المواجهتين، يدفع "حزب الله" من خلال وكلائه، بشبح الحرب الأهلية إلى الواجهة.
وثمة في لبنان من يعتقد بأنّ "حزب الله"، سوف يُحقّق مراده بإحباط مطلب "التحييد"، لأنّ النتائج محكومة بميزان القوى، و"حزب الله" هو "القوي الوحيد"، بفضل سلاحه المتحكِّم بالبلاد والعباد والسياسة الإقليمية، ممّا يعني أن الشق السيادي من خارطة الإنقاذ معطّل بالقوة، وتالياً فإنقاذ لبنان يبدو مجرّد سراب في عبور "الصحراء الخضراء".
وفي هذا الإطار، كان لافتاً خروج مدير المخابرات السابق السفير جوني عبدو عن صمت طويل، في مقالة نشرها في لبنان تحت عنوان "لا للحياد ولا للتحييد"، وخلاصتها أنّ "حزب الله" لن يرضى لا بالحياد ولا بالتحييد، وتالياً، ومن أجل قلب المعادلة، لا بد للقوى التي تطالب بالحياد والتحييد أن "تنحاز" هي إلى جانب الدول العربية التي تواجه الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وحينها فإنً ما سمّاه "حزب ولاية الفقيه" هو من سوف يرفع لواء الحياد والتحييد.
وجوني عبدو شخصية لبنانية سبق لها ولعبت، منذ عهد الرئيس الراحل إلياس سركيس وحتى اغتيال صديقه الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، أدواراً مهمة على مستوى رسم الاستراتيجيات، الأمر الذي جرّ عليه غضب النظام الأمني اللبناني-السوري وكان قد عرّضه، في وقت سابق، لمحاولات اغتيال عدة، جرى الكشف عنها، قبيل تنفيذها، اثنتان منها في كل من سويسرا، حيث كان سفيراً للبنان، وفي سردينيا الإيطالية، حيث كان في "زيارة عمل" لرفيق الحريري.
ولا ينطلق اقتراح عبدو من فراغ، بل يؤسس نفسه على نظرية "التوازن"، التي وحدها تكفل توفير تسويات سليمة تتيح الخروج من المأزق الخطِرة.
سابقاً، كان عبدو من دعاة إقامة "توازن الرعب" بين "حزب الله"، من جهة وفريق الرابع عشر من آذار الذي كان يتعرّض لهجومات إرهابية منظّمة، من جهة أخرى.
حالياً، تخلّى عن هذه النظرية، بعدما فات عليها الزمن بتفجير "قوى 14 آذار" لتحالفها بفعل اختلال "توازن الرعب"، واقترح، بخروجه عن صمته، خطة تكتيكية للوصول إلى "حياد لبنان وتحييده" تقوم على "توازن الانحياز"، فكما "حزب الله" ينحاز لإيران ومشاريع الهيمنة كذلك على القوى المناهضة أن تنحاز، من ضمن الهوية العربية، الى الدول التي تقود مواجهة هذه الهيمنة.
واقتراح عبدو سبق أن اختبره لبنان، في 11 يونيو 2012، مع صدور "إعلان بعبدا".
يومها، سعى الفريق المؤيّد للنظام الأسدي في لبنان أن يضع حدّاً لانحياز قسم كبير من اللبنانيين إلى جانب الثورة السورية، وتوجّه عشرات الشباب إلى سوريا للوقوف إلى جانب القوى المعارضة، في ظل دعم إعلامي كبير للثورة.
واستفاد رئيس الجمهورية يومها العماد ميشال سليمان من هذه الفرصة ليفرض على الجميع واجب "تحييد" لبنان عن صراعات المنطقة ومحاورها، فكان إجماع طاولة الحوار الوطني على "إعلان بعبدا".
وبعدما التزم الجميع بهذا الإعلان، توجّه "حزب الله" إلى سوريا ليحارب إلى جانب بشّار الأسد، بأمر من "الحرس الثوري الإيراني"، وعاد وتدخّل، بشكل فاعل، في كل من العراق واليمن والبحرين.
صحيح أن الرئيس سليمان بعدما رفع هذا "الإعلان" إلى المجتمع الدولي الذي رحّب به، وأيّده واعتبره وثيقة أساسية في كل ما يعنى بالشأن اللبناني، قد تصدّى للحزب، بسبب عدم تشريف توقيعه، ولكن، وبسبب ما نشأ من اختلال للتوازن في الانحياز الذي أضيف على اختلال توازن الرعب، لم ينل من هذه المواجهة إلّا العداء فالتهميش بمباركة "المحيَّدين" الذين تخلّوا عن الاستراتيجيات الوطنية لمصلحة صفقات المكاسب السلطوية.
ولكن من يجرؤ على المواجهة بالانحياز؟ لو استندنا إلى تجارب الزمن الذي لم يكن لبنان يشعر فيه بالأثمان الباهظة المترتبة عن "الانحياز الأحادي"، فإنّ " لا أحد" هو الجواب الوحيد، لأنّ الجميع كان يملك ترف الاهتمام بالمكاسب السلطوية على حساب مصلحة الوطن العليا، لكن مع تلمّس الجميع أن ّ "حزب الله" بدأ يستخدم الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي، بهدف تغيير طبيعة لبنان وتوجّهاته التاريخية وأسسه الحضارية والثقافية وهويته الكيانية وتوازناته الدستورية، فإنّ الكثيرين قد يقبلوا التحدّي، في حال تلمّس هؤلاء أنّ "حزب الله" قادر على نسف مظلة بكركي "التحييدية".