النهار
غسان حجار
جبران باسيل يتقمّص ميشال سليمان
ما نطق به رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل نتيجة طبيعية لما آلت اليه الامور في مسارها. قال كلاماً جدياً وحقيقياً في محاولة تميّزه عن "حزب الله"، ليس من باب تقديم أوراق اعتماد رئاسية الى الاميركيين أو خوفاً من العقوبات الاميركية، كما يمكن ان تُؤوّل تفسيرات موقفه، وكما ركزت كل التعليقات والحملات التي تطاوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الاحد، لأن لمواقفه أبعاداً ومسببات اخرى لا تنفي تلك التي وردت سابقاً ولا تلغيها. فالحسابات الرئاسية تراجعت وتضاءلت لدى باسيل، وإنْ تكن أحلاماً لا تخبو لدى معظم الموارنة.
لكن الموقف الاخير استند الى جملة اسباب واقعية عاشها الرئيس ميشال سليمان قبل ذلك، عندما اتُّهم بانه "انقلب" على التحالفات التي اوصلته الى قصر بعبدا. والواقع المعاش لدى سليمان لم يكن انقلابا على الحلفاء، بل انتفاضة على الواقع الذي اساء اليه. فالرئيس سليمان الذي ارتضى بتسوية اتفاق الدوحة في العام 2008، وتوافُق الاطراف الداخلية والخارجية عليه، حافظ على علاقاته المتوازنة مع كل الاطراف، اعترافا منه بـ"الجميل"، لكنه وجد نفسه رئيسا منقوص القرار في بلد منقوص السيادة، عند نشوب الحرب في سوريا، وقرار "حزب الله" خوضها من دون اي تنسيق مع الحكومة اللبنانية، ومن دون اعتبار لوجود رئيس في البلاد. وعندما ابدت الدول الصديقة والحليفة للبنان استياءها من القرار وسجلت عتبها على لبنان الرسمي، اتخذ الرئيس ميشال سليمان سلسلة مواقف رأى فيها الثنائي الشيعي انقلابا عليه، وعلى حليفه النظام السوري الذي دخل في عزلة دولية وحصار عربي لم يكن ممكناً للبنان ان يغرد في معزل عنها. واستمر التباعد بين الطرفين الى نهاية العهد السابق.
اليوم، بدأ الرئيس ميشال عون، ورئيس الظل النائب جبران باسيل، يشعران انهما يعيشان التجربة ذاتها. وقوفهما مع الحزب والى جانبه، لم يوفر لهما الدعم الكافي للانطلاق في مسيرة تغيير واصلاح يدّعيان العمل عليها، ويريان ان عدم مضي الحزب في محاربة الفساد، وتغطية حلفاء له مشاركين في الفساد، جعلا خطاب الرئيس وصهره، كلاماً فارغاً من كل مضمون.
ويشعر باسيل ان الثنائي الشيعي ينتقص من صلاحيات الرئيس. فالتفاوض على الحدود البحرية أو البرية، والاتفاقات الخارجية، تدخل من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور، ولم يكن للرئيس نبيه بري ان يحتكرها ويحصرها بنفسه، لولا غطاء "حزب الله"، في دليل الى عدم الثقة بالرئيس وصهره.
وما مطالبة طرفَي الثنائي بتخصيص وزارة المال لهما، وللطائفة معهما ومن بعدهما، إلا تكريس للمثالثة وفق باسيل، وهذا ما يُعتبر تكريسا لأعراف جديدة اقوى من الدستور، وذلك للتضييق على الرئاستين الاولى والثالثة، عبر محاصرتهما، كما حصل سابقا عندما اقدمت وزارة المال، بطلب من بري، على حجز المخصصات السرية لكل من المديرية العامة لأمن الدولة، وشعبة المعلومات، كعقاب لهما، رغم تدخّل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة آنذاك، لفك الحظر عن الجهازين الامنيين.
حالياً، بدأ العهد "القوي" يضيق بمحاولات الاستيلاء على القرار، ويبدو ان باسيل (وتياره) الذي يهزأ بالعهد "الضعيف" وفق تصنيفه، بدأ يستنسخ الموقف ذاته ويتقمّص شخص ميشال سليمان.