الاعتراض السوري لزوم ما لا يلزم
النهار:
غسان حجار
الاعتراض السوري لزوم ما لا يلزم
سارعت وزارة الخارجية السورية الى انتقاد اعلان الرئيس نبيه بري اتفاق الاطار لتفاوض لبنان مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية والبرية، برعاية الأمم المتحدة، ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية.
الاتفاق مدخل الى حلول لبنانية في السياسة والاقتصاد. إذ بعد الترسيم النهائي، الذي لن يتحقق في الجولة الأولى من المفاوضات، سيصبح في إمكان لبنان استثمار ثروته النفطية، فيحقق بعض التوازن المالي والاقتصادي عقب الانهيار الذي أصابه. وبغير هذا الترسيم لن يتمكن لبنان من التقدم شبراً واحداً في التنقيب عن الغاز والنفط.
وسياسياً، يساعد اعلان اتفاق الاطار كل الأطراف داخلياً وخارجياً. فهو يؤشر أولاً الى عدم وقوع حرب بين إسرائيل ولبنان، لأن المفاوضات تحتاج الى دفع لا يتحقق بالأعمال العسكرية.
وتوقيت اعلان اتفاق الاطار، يُعَدُّ إنجازاً إضافياً لإدارة الرئيس الأميركي قبيل الانتخابات الرئاسية، وهو لبنانياً يحقق حلم الرئيس ميشال عون بالعثور على النفط والغاز، وإنْ كان ما تبقَّى من عهده لا يحقق المرتجى من تلك الثروات. والاتفاق يعيد فك العزلة عن الرئيس نبيه بري بعدما حشر نفسه في الزاوية الشيعية، ويعيد أيضاً فتح خطوطه مع الأميركيين ساعياً الى الإفادة القصوى من هذه الفرصة.
وإذا كان الاعلان لاقى استحساناً لدى الأطراف المعنيين في الداخل والخارج، فقد سُجل صمت "حزب الله"، واعتراض النظام السوري، إذ تضمَّن رد وزارة الخارجية أنها "ترفض التنازلات والاتفاقات والمعاهدات مع العدو الاسرائيلي، وأن التزام دمشق، يقوم على رفض أي محاولات للتفريط بالحقوق، واستباحة الأرض".
ومن محاسن الواقع، أن الرئيس بري هو الذي فاوض على اتفاق الاطار، وهو الذي أعلنه بالتنسيق طبعاً مع شريكه في الثنائي الشيعي "حزب الله" وليس أي طرف آخر سواء كان مسيحياً أم سنّياً، إذ كان سيقابَل بحملة تشكيك وتخوين. لكن غطاء "حزب الله" للاعلان، يجعل الرد السوري شكلياً وعابراً ومحدوداً في الزمان والمكان.
والنظام السوري نسي أو تناسى أنه فاوض إسرائيل على الجولان في وقت سابق، وبلغت المفاوضات حد البحث في أمتار قليلة. فقد قرر الرئيس حافظ الأسد المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ثم الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وصولاً الى المفاوضات المباشرة في العام 2000.
وفي 2008، فُتحت قناة تفاوض سرية بين الجانبين برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان هدفها فك عزلة سوريا التي تفاقمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد تحدث آنذاك الإمام الخامنئي أمام وفد رسمي لبناني زاره في طهران برئاسة الرئيس ميشال سليمان عن "الخيانة" في التفاوض مع إسرائيل من دون أن يسمي أحداً، وعلّق آنذاك أحد وزراء "حزب الله" الذي كان في عِداد الوفد أمام زملائه بأنه "لا يجب إعارة هذا الكلام حجماً أكبر من حجمه، إذ لا مشكلة في التنسيق بين طهران ودمشق".
وبعد، هل يحق لسوريا ما لا يحق للبنان؟ ومَن حَكَم بأن التفاوض سيقود الى تنازلات وتفريط بالحقوق؟ يبدو جلياً أن تعامل "الشقيق" السوري لم يتبدل وهو يحاول دائماً عرقلة كل المساعي التي تساهم في نهضة "شقيقه" وتقدمه ورخائه.