17 آذار 2021
لبنان يحتاج إلى صانع قرار وطني
نداء الوطن:
د. هشام حمدان
لبنان يحتاج إلى صانع قرار وطني
قال غبطة البطريرك يجب تحرير الرئاسة. وافقناه، لكن قلنا علينا أن نحررها أولاً من الجالس على كرسي الرئاسة. رحم الله الرئيس فؤاد شهاب الذي قابل الرئيس عبد الناصر عند الحدود الوطنيّة، لكي يحفظ سيادة لبنان. الرئيس شارل الحلو الفرنكوفوني العريق، خضع لضغوط الحكومات الراديكاليّة العربيّة، فوافق على انتهاك إتفاقيّة الهدنة، وأرسل قائد جيشه لتوقيع اتفاق القاهرة، مما سمح بتحويل لبنان إلى ساحة حروب جعلت سيادته ممسوكة بقرارات يتم اتخاذها خارج البلاد. ومنذ ذلك الحين فقد لبنان سيادته. وقد حاول الرئيس ميشال سليمان تحرير لبنان، فاجتهد على إطلاق فكرة تحييده عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة. لكنه لم ينجح. فالخارج صار جزءاً متجذراً في صنع القرار في البلاد.

كي تتحرر الرئاسة، على الرئيس عون أولاً أن ينزع عنه شبق السلطة. ربما هو يريد أن يفعل ذلك لكن صهره الشاب الميكيافيللي، لن يسمح له بذلك. فالميكيافيللي لا يعرف سوى مصلحته. الغاية تبرر الوسيلة ولو على حساب الجنرال ولبنان. 

لو كنت مكان الرئيس عون، لاخترت في نهاية عمري، أن أمحو كل ذنوبي فادعو للعمل يداً واحدة من أجل إستعادة سِيَادَةِ لبنان وحُريته واستقلالِه، واعتِبارِهِ وَطَناً نهائيّاً لِجَميعِ أَبنائِهِ، والتَشبُّثِ بِبَسطِ سُلطَةِ الدَّولَةِ عَلى كَامِلِ تُرابِها الوَطَنِيِّ وكَامِلِ حُدودِها الدَّولَيَّة، ومنع أي نشاط مسلّح أو غير مسلّح، خارج إطار الشرعيّة الدستورية، والمطالبة في الأمم المتّحدة، باعتبار لبنان وشعبه ضحايا خضوعهم، المباشر وغير المباشر، إلى سلطات خارجيّة، فرضت عليهم سياساتها، وحوّلت وطنهم إلى ساحة لحروبها وصراعاتها الإقليمية والدوليّة، وتلقّف دعوة غبطة البطريرك لرفع قضيّة لبنان إلى الأمم المتحدة، ودعوة رجال الدين المتحررين من الطوائف كافة، ليكونوا معه في مقدّمة الداعين من رجالات لبنان اللامعة في دنيا الثقافة، والفكر، والعطاء الإنساني والمهني، من مقيمين ومغتربين، لم تتلوث أيديهم يوماً بأموال ودماء اللبنانيين وشرفهم، من كل الطوائف، إلى تحرير لبنان والمطالبة أمام المحافل الدوليّة، ومجلس الأمن للأمم المتّحدة: 

1 - بتفعيل اتفاقيّة الهدنة لعام 1949، الملزمة لأطرافها كافة، لا سيما وأنه تمّ اعتمادها وفقاً للمادة 40 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، علماً أن لبنان ألغى اتفاقيّة القاهرة. 

2 - بقبول وضمان حياد لبنان عن الصراعات بين الدول الإقليميّة والدوليّة، مع احتفاظه، بحقّه الطبيعي في الدفاع المشروع عن النفس، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتّحدة، مما يعيد لهذا العضو المؤسس للأمم المتّحدة دوره الفعال في إطار الشرعيّة الدوليّة، دفاعاً عن العدالة وحقوق الإنسان. 

3 - بتفعيل القرار 1701 لعام 2006، لجهة التطبيق الكامل لبنود القرارين 1559 و 1680، بما يضمن بَسط سُلطَةِ الدَّولَةِ عَلى كَامِلِ تُرابِها الوَطَنِيِّ وكَامِلِ حُدودِها الدَّولَيَّة، ومنع أي نشاط مسلّح أو غير مسلّح، خارج إطار الشرعيّة الدستوريّة. وبإعتبار اتفاق الهدنة لعام 1949، وحياد لبنان، مبادئ وعناصر أساسيّة في حلّ طويل الأجل بين لبنان وإسرائيل لضمان الأمن على جانبي الحدود، واستكمال تسوية النزاع المتعلّق بمزارع شبعا، من خلال إقامة ترسيم دقيق برعاية الأمم المتّحدة، للحدود اللبنانيّة السوريّة.

4 - بتفعيل القرار 1701 لعام 2006، لجهة مساعدة لبنان على تطبيق كامل لاتفاق الطائف. وإقامة حكومة إنتقاليّة من إخصائيين وخبراء لبنانيين مستقلين، مقيمين ومغتربين، تكون لديها الصلاحيّات التشريعية الإستثنائية، بغية:

- إقامة التشريعات المناسبة لضمان حياد لبنان عن الصّراعات الإقليميّة والدوليّة، واستعادة علاقاته الطبيعيّة مع الدول العربيّة والصديقة. 

- تنظيم مؤتمر وطنيّ للمصارحة والمصالحة الطوعيّة لقادة الميليشيات والأحزاب فيه، على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا عند سقوط نظام التمييز العنصري، يؤدي إلى الإستغناء الطّوعي لأركان السلطة، عن السلطة، وحل الميليشيات، وإعادة النظر بقانون للأحزاب ليتوافق مع مبادئ الدستور.

- وضع اجراءات تستكمل تنفيذ أحكام الدستور، مع التَّشدِيدِ على مبدأِ فَصلِ السٌّلُطاتِ التّشريعيّةِ والتّنفِيذيّةِ والقَضَائِيَّةِ. لا سيما لضمان إقامة قضاء مستقل، مما يضمن احترامِ كرامَةِ المُواطِنِ وحَقِّهِ بالعَيشِ بسلام وطمأنينة، واحتِرامِ الاِعلانِ العالميِّ لحقوقِ الاِنسان والحريّات الأساسيّة، وكل الصكوك الدوليّة المعنيّة بحماية حقوق الإنسان، وصون الحريّات العامة. 

- التمسُّكِ بالوَحدَةِ الوَطَنيّةِ في إطارِ التَعدُّديةِ الطائفية والمذهبية، مع التأكيد على الفصل بين الدين والدولة، من خلال إنشاء مجلس شيوخ، يضمن احترام حقوق الأقليّات في لبنان، ويشرف على السياسة الخارجيّة للبنان بما يضمن احترام التشريعات المتعلقة بالحياد، ويمهّد لإنشاء الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، ووضع قانون انتخاب جديد، خارج القيد الطائفي، والتّهيئة للإنتخابات العامة بإشراف ومراقبة الهيئات الدوليّة المختّصة والأمم المتّحدة.

5 - إقامة لامركزية موسّعة، تعزّز نموذج لبنان الفريد، للعيش المشترك بين مختلف الحضارات، وتضمن المشاركة في الثروة الوطنية والتنمية المستدامة، بما يمنع الغبن لأيّة فئة ومنطقة لبنانيّة، ويضمن في آن معاً، أمن كافة المجموعات المذهبيّة وحقّها بممارسة حرياتها الدينيّة ضمن حرية الفرد، بما يتوافق مع الدستور. 

6 - بدعوة الأمم المتحدة إلى تطبيق مبادئ العدالة الدوليّة لمنع الإفلات من العقوبة لأي مرتكب لإحدى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إرهاب في لبنان. وبمساعدة لبنان لإقامة محكمة خاصة وطنية، لمكافحة الفساد، ودعمها بملاحقة كلِّ منِ استثمر سُلطَتَهُ ووظيفته، في أي موقع من مواقع النظام، لنشر الفَسَادِ، والقبول بهدر المال العام، وساهم في نهب أموال الدولة، ونهب إيداعات المواطن والشركات في المصارف، وسوء الإدارة المالية لميزانيّة الدولة، وللسياسات النقديّة. ودعوة الحكومات والسلطات الدوليّة لمساعدة لبنان على إستعادة الأموال العامة والخاصّة، وملكياته الثقافية والتاريخية المنهوبة.

7 - بدعوة الأمم المتحدة لإطلاق برامج بناء السلم بعد النزاع في لبنان، وفقاً للمبادئ التي اعتمدتها عام 1997 لمساعدة البلدان التي مرّت بحروب داخليّة، كما حدث في لبنان، للعودة إلى الحالة الطبيعية. ومساعدة لبنان بالتالي، في وضع برنامج إصلاحي بنيوي شامل لنظامه العام على أسس متوافقة مع المتحوّلات الدولية منذ عام 1990، وتؤكد احترام القوى الأمنيّة، وتعزيز قدراتها اللوجيستية لتنفيذ القوانين المرعيّة، وتحريرها من الاعتبارات المذهبيّة والطائفيّة من خلال إقامة عقيدة جديدة لكافة القوى الأمنية تضمن إحترام مبادئ الدستور، وعدم التدخل بالشؤون السياسية، واحترام القانون الدولي لا سيما لجهة احترام حقوق الإنسان وممارسة الحريات ضمن احترام الإنتظام العام، إضافة إلى خدمة المواطن والمحتاجين، والمساعدة في حالات الكوارث، والمساهمة في حماية البيئة.

8 - باعتماد لبنان مركزاً دائماً للأمم المتّحدة لحوار الحضارات والثقافات والأديان، وجسراً حضارياً لتعزيز العلاقات الثقافية بين الشعوب، وللحوار الثقافي بين الشرق والغرب.

الحمدلله إنني لست الرئيس عون، لكنني آمل ان يلبس ثيابي لكي لا يرحل معذب الضمير عن هذه الدنيا الفانية.
تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة