المركزية- لم يعد في قاموس توصيف الوضع اللبناني مفردات أوعبارات يمكن اطلاقها على الحال الراهنة التي يمرّ فيها البلد، المترنح قبل السقوط الكبير المدوّي، ما لم تحصل معجزة من المسؤولين، هم ليسوا من أصحابها أساساً ولا هم قادرون على تحقيقها.
إلى أين يتجه الوضع؟
ببساطة تلامس السذاجة، الجواب هو أنه يسير في مخطط إسقاط الدولة بالتدريج، قطاعاً بعد قطاع، وسط استسلام ممسكي زمام الأمور - أو مَن يعتقدون أنهم ممسكو زمامها- وربط كل محاولة لولوج باب حل من الحلول بإنتاج "صفقة" سياسية تتصل بالمستقبل القريب واستحقاقاته الكبرى.
فبعد إسقاط الدولة من مسؤوليات أساسية كان يُفترض أن تقوم بها في مجالات شتى، توالت الإسقاطات في القطاعات، الواحد تلو الآخر، وآخرها، لا بل اخطرها على الإطلاق، السلطة الثالثة، حجر الزاوية في بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة الحق والعدالة، دولة الدفاع عن المظلوم ومعاقبة الظالم، دولة إيصال الحقوق الى أصحابها ومستحقيها، دولة لها احترامها وصدقيتهاعلى خريطة علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء، وهي الآن علاقات في حدها الأدنى المطلوب، في حين يُفترض ان تكون، على ما كانت عليه في السابق، من احترام للبنان ومد يد العون والمساعدة، ومنعه من السقوط.
ومهما تكن المعالجات، فإن المشهد القضائي الأخير ، وبغض النظر عن صحة الخطوات والتحركات أو عدمها، أعطى مشهدية في غاية السوء، وكشف أقنعة الصراعات القائمة على مستوى السلطة، وترجمتها بالدخول السياسي السافر على القضاء، الذي يُفترض ان يكون الملجأ والملاذ الأخير الآمن للجميع.
والكلام المستجد أمس، عن دعوة الجيش الى استلام السلطة وتعليق الدستور.... هو كلام مستفز في الشكل والمضمون لغالبية اللبنانيين، الذين يتشبثون بالنظام الديموقراطي ، ويرفضون الأنظمة العسكرية، التي، ومن خلال تجارب واضحة، تفتح شهيتها في حالات كهذه، على التشدد الى حد البطش، وما يستجرّ ذلك من جنوح نحو الديكتاتورية، وهذا ليس وارداً على الإطلاق في قاموس الشعب اللبناني.
وهذا الدخول السياسي على الجيش يكرر حتماً المشهد القضائي.
دعوا الجيش بعيداً من هذه " المغريات "، دعوه يقوم بعمله في حفظ أمن الوطن والمواطن، والإستعداد للذود عن" كل الحدود"، بما يساعد في وقف تهريب لقمة اللبنانيين المدعومة الى الخارج. بينما لا يزال بعض " شعراء البلاط" في اكثر من مقرٍّ مسؤول، يحدثوننا بكل صفاقة ووقاحة، عن مشاريع وتوجهات وخطوات لمكافحة الفساد في الإدارات والمؤسسات والوزارات، فيما الفساد موجود على الطريق وتحت نور الشمس، ويتمثل بصهريج او شاحنة تهريب عبر الحدود الى الخارج تحت أنظار هؤلاء " الشعراء" وأبصارهم .
وإذا تم في مراحل سابقة- لها مقتضياتها- اختيار قادة للجيش لرئاسة الجمهورية، فهذا لم يكن يعني يوماً وصول الجيش كمؤسسة الى موقع القرار السياسي والسلطة، بل على العكس. أثبت اثنان من هؤلاء القادة، فؤاد شهاب وميشال سليمان، انهما نقلا معهما من المؤسسة تجربة قيادة عيّنات من اللبنانيين من مختلف المذاهب والمناطق والمشارب والطبقات الإجتماعية، الى القيادة على مستوى الوطن، بروح مسؤولية وتعاون مع الحكومة والسلطتين التشريعية والقضائية، وشهدت سنوات حكمهما الهدوء والإزدهار والأمن، وعلاقات احترام مع الخارج الشقيق والصديق، ما انعكس خيراً على الداخل وأهله.
ليس بالهوبرة والمراجل وعرض العضلات على الشاشات ومواقع التواصل تُبنى الأوطان.
ليس بالمكابرة والإنكار والعناد بالتشبث بالمواقف التي لا تساعد في إيجاد الحلول للمشكلات، تُبنى المؤسسات.
ليس باستباحة الدستور والقوانين وتخوين الآخرين وشتم من ليس في الضفة نفسها، يُحترم الحق والعدل وحقوق الناس وأمانيهم.
ليس بالتكاذب والتراجع عن التزامات وتعهدات قُطعت للوساطات والمبادرات المساعدة في إيجاد الحلول، يمكن إيجاد الحلول.
ليس بالمهاترات السياسية وانحدار مستوى التخاطب السياسي، وشحن النفوس وتجييشها، نضع اللبنة الأساسية، التي هي المعبر اللازم والضروري إلى مفهوم الدولة، وقيام وطن الحق والعدالة والحريّة، وكان اللبنانيون قاب قوسين او أدنى من بلوغه.إلا انهم في السنوات الاخيرة، وبفعل أداء المسؤولين، جميع المسؤولين، وجدوا أنفسهم أمام طريق آخر رسمته ممارسة هؤلاء المسؤولين، الذين اذا ما استمرّوا فيها، فالطريق يقود حتما الى مكان آخر لا يٓستقبل الا الفاشلين المارقين الفاسدين، والبلد على قارعة الطريق وأهله على رصيف الانتظار .
-أديب أبي عقل-