لو
تبنّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ لحظة وصوله إلى القصر
الجمهوريّ إعلان بعبدا، لكان وفّر على نفسه كلّ الشّكاوى التي أطلقها في
كلمته الأخيرة، لا سيّما وأنّ هذا الإعلان أتى بعد تجربةٍ للرئيس ميشال
سليمان مع الفريق الذي يشكو منه الرئيس عون حاليًّا من دون أن يرفع
المواجهة معه إلى المستوى الذي رفعها الرئيس سليمان إليه، الذي أطلق على ما
يُعرف بالمعادلة الذهبية “جيش وشعب ومقاومة” صفة المعادلة الخشبية.
لقد
قال الرئيس عون في كلمته: “أنا أرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية،
وتحديداً مع دول الخليج، وأسأل: ما هو المبرّر لتوتير العلاقات مع هذه
الدول والتدخّل في شؤونٍ لا تعنينا؟”
هذا
الكلام الموجّه إلى حزب الله أتى متأخّرًا جدًّا، أتى بعدما لم يبقَ أيّ
مجالٍ للتّفاهم مع دول الخليج ولا سيّما مع المملكة العربية السعودية،
وبعدما أصبح اللبنانيون يخشون على مصالحهم ووجودهم هناك.
لقد
كان من الأفضل لو ناقش الرئيس عون مع شريكه في تفاهم قاعة كنيسة مار
مخايل، السيد حسن نصر الله، التداعيات السلبية لهذه التدخّلات، وعمِلا
فعلاً على تطبيق مبدأ الحياد، وهو المبدأ الذي تحدّث عنه إعلان بعبدا
الصادر في ١١ حزيران ٢٠١٢ في بنده رقم ١٢ وجاء فيه: “تحييد لبنان عن سياسة
المحاور والصّراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة
للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته
الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلّق بواجب التزام قرارات الشرعيّة
الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ
اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”.
هذا
الإعلان لو طُبّق، كان وفّر على الرئيس عون العودة للحديث عن استراتيجيةٍ
دفاعيةٍ كانت على جدول أعماله قبل توليه سدّة الرئاسة، قبل أن يُقدم على
محاولة التنصّل منها في شهر آب من العام ٢٠١٩، عندما قال من مقرّ الرئاسة
الصيفي في بيت الدين: “هيدا كان من زمان، تغيّرت حالياً كل مقاييس
الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها”. وسأل: “على ماذا سنرتكز اليوم؟
حتى مناطق النفوذ تتغير. وأنا أول من وضع مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية.
لكن ألا يزال صالحاً حتى اليوم؟”
في
الكلمة الأخيرة لرئيس الجمهورية جاء: “صحيحٌ أنّ الدفاع عن الوطن يتطلّب
تعاوناً بين الجيش والشعب والمقاومة، ولكنّ المسؤولية الأساسية هي للدولة.
وحدها الدولة تضع الاستراتيجية الدفاعية، وتسهر على تنفيذها”، ويتطابق هذا
الكلام مع ما ورد في إعلان بعبدا وقد جاء في البند ٥ لجهة “دعم الجيش على
الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة
للوحدة الوطنيّة”، ويضاف إليه ما ورد في البند ١٤ “بالالتزام بالقرارات
الدولية ومنها القرار ١٧٠١”.
لن
تبتّ طاولة الحوار التي يطالب بها الرئيس عون بهذه الأمور وغيرها، فما من
شيءٍ تبدّل منذ إطلاق أوّل حوارٍ في العام ٢٠٠٦ وأتت في خضمه حرب تموز، لا
بل أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا، وأصبح الطرف المعنيّ بطروحات الرئيس عون
أكثر تمسّكاً بمخطّطاته وتوجّهاته ومشروعه للبنان، على الرّغم من الكلام
الكثير الذي قيل وسيقال عن إعادة التواصل بين التيار الوطني الحرّ وحزب
الله من أجل إعادة صياغة تفاهم قاعة كنيسة مار مخايل. وهو أمرٌ لو حصل، لن
يوصل أيضاً إلى نتيجة، لأنّ شرطه من قِبل التيار هو وصول النائب جبران
باسيل إلى سدّة الرئاسة، وشرطه في المقابل لدى حزب الله عدم مقاربة أيّ
استراتيجية دفاعية سوى الموجودة حالياً وبصيغتها الراهنة، أي ما للمقاومة
للمقاومة وما للدولة للدولة.