روزانا بو منصف
الأولوية لوقف النار وخوف متعاظم مما بعده
الملحّ في اليوم التالي للحرب، بلورة سريعة لمشروع سياسي معتدل تلتقي حوله قيادات من مختلف الطوائف.
يشكل
وقف النار، أيا تكن تسميته، أولوية قصوى لا تتقدم عليها أي أولوية تبعا
للواقع الكارثي الذي أضحى عليه لبنان، والذي تستهول بعثات ديبلوماسية
أجنبية مآله، على نحو لا يأخذ في الاعتبار الأهمية نفسها في أدبيات القوى
المتواجهة بالحرب، ولا سيما في لبنان، إذ إن إسرائيل لا تأبه لما ارتكبته،
فيما التداعيات في لبنان سرعان ما ستطفو في اليوم التالي للحرب.
ما
بات معروفا في اتفاق وقف النار المفترض بين إسرائيل ولبنان أنه يحقق أهداف
الحرب الإسرائيلية المعلنة، على الأقل لجهة "تفكيك" أي بنية أساسية لـ"حزب
الله" جنوب الليطاني، باستثناء الجيش اللبناني والقوة الدولية، فيما
الطرفان الأخيران سيكونان الجهتين المسلحتين الوحيدتين المسؤولتين عن الأمن
في المنطقة الحدودية، بما يتيح لإسرائيل إعادة سكان الشمال إلى
مستوطناتهم. وهذا سيحصل في مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى
والبلدات الحدودية التي توغل فيها. ما عدا ذلك، ليس ثمة وضوح حتى لو التزم
أهل السلطة في لبنان القرار 1701 وأغدقوا وعودا لجهة حصرية سلطة الدولة من
حيث المبدأ، ولا سيما في الجنوب.
عملانيا،
ليس ما سيعلن هو الاتفاق الدائم، بل سيكون هناك وقف للأعمال العدائية
مرتبط بإطار زمني هو 60 يوما، يفترض أن يضمن خلالها سلامة التنفيذ وحسن
التطبيق، فيما يخشى أن وقف العمليات العدائية قد لا يمنع استهداف مراكز أو
أشخاص بالاغتيال أو ما شابه، إذ تقول إسرائيل إن الاتفاق بينها وبين الحزب
"لن يكون نهائياً حتى يتم حل جميع القضايا الخلافية".
ويحتاج
الرأي العام اللبناني في شكل خاص إلى معرفة تفاصيل الاتفاق وإذا كانت هناك
تفاهمات جانبية وما هي طبيعتها، ولا سيما أن الانحياز في القراءات
والتفسيرات للاتفاق يترك مجالا لالتباسات قد تفضي إلى أزمة سياسية حادة في
لبنان في اليوم التالي للحرب، رغم الإجماع على ضرورة وقف إهراق الدماء.
وبدت
تصريحات مسؤولي "حزب الله"، بدءا من أمينه العام الشيخ نعيم قاسم وصولا
إلى رئيس كتلته النيابية محمد رعد عن التمسك بثلاثية الجيش والشعب
والمقاومة، مستفزة في الحد الأدنى للرأي العام اللبناني، والسياسي منه في
شكل خاص، بعدما أهمل الحزب الوقوف على خاطر الشعب أو الجيش في أخذ لبنان
كله إلى حرب مدمرة لا شأن له بها.
*
وشرح
ذلك على نحو ممتاز الرئيس ميشال سليمان بتوجهه إلى "إخوتنا في حزب الله"،
قائلا: "أنتم أسقطتم المعادلة الثلاثية منذ اليوم الأول، لأن التراتبية في
المعادلة يجب أن يحتل فيها الشعب المرتبة الأولى عبر ممثليه، من رئيسي
الدولة والحكومة المنبثقين من المجلس النيابي الذي يمثل بدورة إرادة هذا
الشعب. أما الجيش فيحتل المرتبة الثانية عبر تنفيذه القرار السياسي،
والمقاومة تدعم الجيش بقدراتها البشرية والنارية ساعة يطلب منها". وهذا
يعكس جوهر موقف اللبنانيين من الحرب، علما أنه يصعب، وربما يستحيل على
الحزب أقله في السياق الراهن التخلي عن هذا المنطق، أولا لأنه استثمر فيه
طويلا بحيث يتعذر التخلي عنه أو إعلان خطئه أو خسارته، وهذا ليس مألوفا في
أدبيات العالم العربي إجمالا وأدبيات التنظيمات التي تقول بالتصدي لإسرائيل
خصوصا. وتعليق حركة "حماس" على وقف النار المحتمل في لبنان يشكل نموذجا.
*
ولكن
بالنسبة إلى خصوم الحزب السياسيين، فإن كارثة أخذ لبنان إلى الحرب تفترض
مراجعة عميقة تؤدي إلى قيام الدولة، ويُخشى أن هذا ليس مرجحا في أفضل
الأحوال.
الملحّ في ضوء ما بدأ
يستبقه الحزب لليوم التالي للحرب، وما يضمره من جروح وربما أحقاد، وجود من
يستطيع بلورة سريعة لمشروع سياسي معتدل تلتقي حوله قيادات سياسية من مختلف
الطوائف، انطلاقا من اللقاء المرتقب بين وليد جنبلاط وسمير جعجع، وصولا
إلى الآخرين، يتم العمل للترويج له من الآن في ظل خشية الخروج "من تحت
الدلفة إلى تحت المزراب"، وفق التعبير الشعبي اللبناني. فشبكة الأمان لا
تصنعها الطائفة الشيعية في هذه الحال، بل يصنعها المسيحيون في الدرجة
الأولى والدروز والسنّة، بما يساعد على تدوير الزوايا الحادة ونقل البلد
إلى مكان آخر.
المخاوف
كبيرة على الداخل وانقساماته بعد هذه الحرب. وهي مخاوف داخلية وخارجية
أيضا لا تخفيها بعثات ديبلوماسية صديقة، إذ إن الأمور ليست بالسهولة التي
يرسمها البعض.