القصف الروسي والأميركي: داعش طويل العمر؟
رفيق خوري
داعش يتمدّد على الأرض في سوريا، من حيث توحي آلة الدعاية الحربية انه يكاد يتبدّد. وليس ذلك من المفاجآت في اللعبة الخطيرة التي تدار بها استراتيجيات الكبار والصغار في الصراع الجيوسياسي من الخليج الى المتوسط. فلا إعطاء الأولوية القصوى للحرب على الارهاب، حسب الخطاب الرسمي للجميع، يعني بالفعل ان أمر اليوم هو الانتقال من سياسة الاحتواء الى سياسة القضاء على داعش أو أقلّه انهاء توظيف التنظيم الارهابي في خدمة مصالح اقليمية ودولية. ولا الغارات الجوية الروسية والأميركية والفرنسية والبريطانية التي تقدم غطاء لمعارك على الأرض تغطي بمقدار ما تكشف أمرين: أولهما ان المعارك محكومة بالكرّ والفرّ، بحيث يؤدي تبادل السيطرة على البلدات والأحياء والقرى والمواقع الاستراتيجية الى تدمير تلك الأماكن واضافة أعداد جديدة الى المدنيين اللاجئين. وثانيهما الطابع المذهبي الذي يأخذه الصراع الجيوسياسي، بحيث تقود قوة كل طرف الى تقوية الطرف الآخر ضمن معادلة العصبيات والعودة الى الذاكرة التاريخية.
واذا كان وزير الدفاع الروسي يعترف، بعد نحو ثلاثة أشهر من أعنف حملة روسية، ان داعش يسيطر على سبعين في المئة من سوريا، ويحذّر من وصول الارهابيين الى آسيا الوسطى، فان وزير الدفاع الأميركي يتوقف أمام صدمة المذبحة في سان برناردينو بعد أكثر من سنة من حملة التحالف الذي تقوده أميركا على داعش. لا بل ان الرئيس باراك أوباما الذي تصرّف خلال السنوات الماضية على أساس ان داعش لا يشكّل خطراً على أميركا ومصالحها، بدأ الحديث عن الخطر الاستراتيجي على بلاده وحلفائها. كذلك فعل الرئيس فرنسوا هولاند بعد مذبحة باريس، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد التهديدات والمعلومات الخطيرة التي وصلته.
والواقع ان كل الذين لعبوا ورقة توظيف داعش في خدمة مصالحهم، وتصوروا ان القضاء عليه سهل متى دقّت الساعة، يكتشفون مدى الخطأ في القراءة. لا فقط بالنسبة الى القوة العسكرية والمالية التي يمسك بها ويحرّكها داعش بل أيضاً بالنسبة الى جاذبية دولة الخلافة الداعشية في كل مكان. وليس أخطر من الذين يبايعون الخليفة ابراهيم ويقومون بعمليات انتحارية بناء على أوامر، سوى الذين يقدمون على عمليات في بلدانهم من دون اتصال بداعش على طريقة الذئاب المتوحّدة. وكلما كشفت أجهزة الأمن خلايا لداعش، سواء في لبنان والبلدان العربية أو في أوروبا وأميركا وروسيا، زاد الاقتناع بأن ما نجهله أكثر مما نعرفه.
ومع ذلك، فان اللاعبين الكبار في المنطقة والعالم ليسوا مستعجلين. وداعش يبدو طويل العمر.