كيف يمكن الاتفاق على تسوية شاملة قبل انتخاب الرئيس وإجراء انتخابات نيابية؟
اميل خوري
إذا كان "لقاء الدوحة" انتهى بالاتفاق على تسوية شملت انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتعديل قانون الانتخاب، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فقد يكون من الصعب على القادة في لبنان التوصّل الى مثل هذا الاتفاق والتزامه. فقبل "لقاء الدوحة" كان الاتفاق قد تمّ على اخيتار العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية والتوصّل الى تسوية شاملة في ذاك اللقاء أدى الى تأكيد انتخابه والى تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثّلت فيها كل القوى السياسية الأساسية بحسب حجمها، وتمّ توزيع الحقائب بحيث كان لرئيس الجمهورية حصة فيها، فكيف يمكن الاتفاق اليوم على تشكيل حكومة قبل معرفة ما اذا كان ينبغي أن تكون حكومة وحدة وطنية أو حكومة من مستقلين لا مرشّحين بين أعضائها للإشراف على الانتخابات لتأكيد حيادها، ولا صار الاتفاق على من يكون رئيساً للجمهورية ليكون له حصة فيها، ولا اتفاق على قانون للانتخابات تتولى حالياً لجنة برلمانية درسه.
واذا كان "لقاء الدوحة" حلّ محل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في تأليف الحكومة ومحل مجلس النواب في تعديل قانون الستين ومحل هيئة الحوار الوطني بالدعوة الى حظر اللجوء الى استخدام السلاح في ما قد يطرأ من خلافات، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية بيد الدولة وتطبيق القانون في كل المناطق بحيث لا يكون فيها مناطق يلوذ إليها الفارّون من وجه العدالة، فليس في الإمكان اليوم تكرار ما حصل في الدوحة وكان مخالفاً للدستور. فالاتفاق على من سيكون رئيساً للجمهورية ينبغي أن يسبق البحث في تسوية شاملة، ذلك أن قانون الانتخاب يحتاج الى حكومة تقره والى مجلس نواب يصادق عليه، والى اتفاق على شكل هذه الحكومة ومن يكون رئيسها، بل ينبغي انتظار نتائج الانتخابات النيابية التي قد تقلب كل الحسابات التي بنيت عليها التسوية، وهذه النتائج لا يمكن معرفتها قبل معرفة شكل القانون الذي ستجرى على أساسه. وإذا كان "اتفاق الدوحة" الذي حظي برعاية عربية ودولية لتشكّل ضماناً لتنفيذه قد خرق، فكيف باتفاق يتم بين القادة في لبنان ولا من يضمن التزام تنفيذه تنفيذاً دقيقاً كاملاً، خصوصاً في منطقة حبلى بالمتغيرات والتحولات والمفاجآت، وقد لا يكون لبنان بعيداً عن تداعياتها بحيث يصبح كل اتفاق يتم التوصل اليه معرّضاً للتغيير أو للخرق.
لقد سهّل "اتفاق الدوحة" انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وإن بعد ستة أشهر من التجاذبات، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس حصص حددها الاتفاق، لكن وزراء فيها استقالوا في ما بعد خلافاً للاتفاق الذي حظّر عليهم ذلك، ولم تصبح كل المناطق خاضعة لسلطة الدولة كي لا يلوذ اليها كل فار من وجه العدالة، ولا صار السلاح حصراً في يد الدولة.
لذلك فمن التبسيط للأمور إن لم يكن من السذاجة، ربط انتخاب رئيس الجمهورية بشروط وتعهدات قد تتغير منها المواقف بتغيّر المعطيات والتطورات والأحداث. فالرئيس السابق ميشال سليمان انتهج في مستهل عهده سياسة قضت بها الظروف الموضوعية. وفي نهاية عهده انتهج سياسة أخرى قضت بها الظروف السائدة في حينه. فإذا انتخب رئيس للجمهورية هو صديق شخصي للرئيس بشار الأسد ويؤيّد المحور السوري – الإيراني و"جبهة الممانعة" وسلاح المقاومة، فإن هذا الموقف قد يتغيّر، خصوصاً مع تغيّر الوضع في سوريا وفي المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة الى انتخاب رئيس للجمهورية من أي خط سياسي آخر. فلا حاجة إذاً الى إضاعة الوقت وتأخير انتخاب رئيس للجمهورية في انتظار التوصل الى اتفاق على تسوية شاملة ما دام لا أحد يستطيع التزام تنفيذها كاملة إذا تغيّرت الظروف والأحوال وصار الاتفاق على التسوية من الماضي. لذلك ينبغي على القادة الاتفاق قبل أي أمر آخر على انتخاب رئيس للجمهورية معروف بصدقه ووفائه وبه ملء الثقة في كيف يتصرّف عند مواجهة الأزمات والتحديات بحيث يقدم مصلحة الوطن على كل مصلحة، ويحترم الدستور وفاءً لقسمه، ويكون حريصاً على إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، وتتم تسمية الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة على ضوء نتائج هذه الانتخابات وعلى ضوء نتائج الاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية، لأن هذه النتائج قد تأتي مخالفة لكل التوقعات فتسقط كل تعهد وكل اتفاق وتسوية.
أفليس من المنطق إذاً ألا يتم الاتفاق على أي تسوية بتفاصيلها الدقيقة والمثير بعضها للخلاف قبل انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة وإجراء انتخابات ثم استشارات، وهذا ما ينص عليه الدستور ويجب العودة اليه، وبعد ذلك تبدأ إعادة تكوين السلطة على أسس سليمة وثابتة تضمن استمرار الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد.