عيسى بو عيسى
من بديهيات آداب الفهم السياسي ان يتلقى العامل في الشأن العام خصوصاً اذا كان على المستوى القيادي بأقل قدر من الجهد والتعب اي اشارة بديلاً عن بناء الجدران في صورة كيفية واعتباطية، فالمسؤولية تحتم أفعال التمعن والقراءة الواضحة لكل شاردة وواردة ما دامت صفة القيادة مع المستشارين توجب ايضاح المتاهي في اللعبة السياسية، وبالتالي ما كان على أهل السياسة في لبنان والمسيحيين منهم بصورة خاصة استعجال او البدء بعملية بناء الحيطان من جهتهم تجاه الصرح البطريركي في بكركي على خلفية حاجاتهم لتفسيرات مستدامة من قبل شخص السيد البطريرك كان من المفترض فهمه كفاية من قبل الجميع، الا ان سيد الصرح وازاء المغالطات المرتكبة عمداً او عجزاً حياله عمد الى ايضاح الواضح والذي يقصده بكلامه هو عن التوافق على تسوية تملأ الشغور في الرئاسة الاولى.
مصادر مسيحية مطلعة على اجواء بكركي تعتبر بشكل واضح ان ما أثير مؤخراً من خلال رسالة الميلاد وعظة الاحد حول الرئاسة الاولى لا يتعلق بمضامين الحديث البطريركي بمقدار ما تمليه المصالح الذاتية، فبالعودة الى أسطر الرسالة بحرفيتها تؤكد المؤكد اكثر من مرة من قبل الراعي انه لا يدخل في اسماء الشخصيات مهما كانت الاسباب وهذا ليس مجرد نمط عمل البطريرك انما هو نتاج الفهم الواضح للواقع اللبناني والمسيحي تحديداً بكل حذافيره، وتدعو هذه المصادر الى عدم «تقويل» البطريرك ما لا يريد قوله ليس في الملف الرئاسي فحسب انما في معظم القضايا المطروحة والمعقدة في البلاد، ولكن الراعي عمد بالأمس الى التشديد على ما هو قديم لديه في ما يتعلق بالتمييز بين المبادرة او التسوية والاسم المقترح وهو لم يقل يوماً انه يريد فلاناً لرئاسة الجمهورية انما ببساطة كلية دعا الاطراف المسيحيين وغيرهم الى التوافق والتواصل حول ما أثير من لقاء الرئيس سعد الدين الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس.
واكدت المصادر ان البطريرك لم يعمد الى التطبيل ولا التزمير لا للشخص انما لعملية تحريك الجمود الحاصل في الشأن الرئاسي، وبالتالي افساح المجال امام فرصة جديدة للبناء عليها والعمل معاً من اجل انضاج تسوية دون الوقوف عند اسم معين، وهذا ما كان سيحصل لو وقعت التسوية على شخصية أخرى من الاقطاب الاربعة، فان كلام البطريرك سوف يكون هو نفسه لان المراد والهدف واضحان لدى سيد الصرح الخائف على قطيعه ومن حقه بل المطلوب منه كرأس للكنيسة ان يرعى شؤونها بالسواسية وهذا ما هو حاصل اليوم، وشددت المصادر على ان البطريرك الماروني لم يدخل في اي لحظة وبشكل واضح لا لبس فيه الى تقديم هذا المرشح على ذاك فالجميع كما اكد اكثر من مرة: «فيهم الخير والبركة»، ولكن لا ضرورة لتذكير الصرح البطريركي عند كل صباح ومساء بأن الاوضاع الاقليمية والدولية غير مؤاتية بل العكس صحيح حسب زيارات الموفدين الى بكركي الذين يجهدون الى التقاط أي فرصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد ما دام الوضع يسمح بذلك اي ان يتم استغلال هذا الجهد الامني المقبول قبل استفحال الامور التي لا يعرف احد الى اين سيصل مداها في ظل الدمار والقتل في كل بقعة من بلاد العرب وبالتالي ايضاً ليس ان يكون الرئيس العتيد كيفما كان كما أكد الراعي في اكثر من مناسبة، وهذا كله يتعلق بالمسار العام في البلاد التي باتت منهارة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
على ان هذه المصادر تلفت الى ان اهل السياسة بعيدون عما يتلقاه يوميا السيد البطريرك من اهوال معيشية واخلاقية واحاديث واقعية عما يحصل في دوائر الدولة، هذه الامور تحصل يوميا في بكركي ويتلقاها الراعي بالكثير من الوجع جراء مراجعات المواطنين الهائمين مع هدف وحيد هو الهجرة الى الخارج، اما اذا كان البعض يعتبر انه على الكنيسة واجبات او انها تتغاضى عنها، فالارقام والمساعدات والمراجعات في كل ساعة حتى ايام الاحاد يتم تحويلها الى الدوائر البطريركية ومعالجتها مع مطارنة عملهم الوحيد ملاحقة هذه القضايا. ولكن من السخف بمكان ان يتم رشق بكركي والتحدث عن قضايا تتعلق ببعض الاشاعات التي تم تناولها واختفت فيما بعد ان تم اعلام المغرضين بحقيقة الامر وتوضحت الصورة وزال الغموض ورحل الشك، هكذا تعالج البطريركية المارونية قضاياها في العلن وليس في جواريرها اسرار مخبأة سوى الاسرار المقدسة والدعوة مفتوحة للجميع لان الذي حصل في زاوية من الزمن الذي مضى حمل في طياته استهدافا للكنيسة المارونية على خلفية سبق صحافي ملغوم وغير مفهوم تبين فيما بعد ان المقصود وضع الحجارة في درب الصرح البطريركي وكأنهم بهذا العمل يضعون انفسهم قبل ان ينالوا من بكركي التي تأخذ قوتها من حريتها اللامتناهية في قول الحق ولا تستطيع التقيد سوى به.
واذا قيل ان البطريرك غير مستاء، تضيف المصادر فان في الامر مبالغة ذلك ان شخص السيد البطريرك انسان من لحم ودم يتفاعل مع شعبه ورعيته ويتألم لآلامها ويحزن لأحزانها وهو يشعر بعد سلسلة طويلة من اللقاءات التي يرعاها ولا يتدخل في هوامش الامور ان الاقطاب الاربعة ليست لديهم الرغبة في اللقاء في بكركي لمناقشة القضايا المستجدة والبطريرك ليس لديه القوة للايعاز باحضارهم امامه ما دامت النيات غير طيبة، وبالرغم من ذلك فان هذه المصادر تؤكد ان بكركي حاضرة في اي وقت وزمان لاستضافة من يشاء اليوم قبل الغد وكل ذلك مبني على الاستشعار بالخطر المحدق بالبلاد، ولكن السؤال الابرز يتمحور حول قدرة البطريرك على تحمل هذا الدلع والعناد في آن معاً وهو في الحقيقة من يعرفه حساس ومرهف جداً ازاء القضايا الوطنية ذات المنفعة الوطنية والمسيحية، نعم انه تضايق ولكنه غير عاجز عن استكمال مهمته الدقيقة، فالجميع ينادون بتحرك البطريركية في الشأن الرئاسي وعندما تعمد الى ذلك ينتقل العجز الحقيقي الى اهل السياسة من عدم التضحية وبذل الجهود ليل نهار من اجل الوصول الى شبه تفاهم لم يطلب اكثر منه، وبالرغم من الصورة السوداوية المحيطة بالملف الرئاسي فان زائر البطريرك بالرغم من عتبه يرى ان لديه الكثير من الارادة والعزم على استكمال ما دأب على المواظبة عليه لاعتباره انه لا بد من ان تستيقظ الضمائر ووعي الاهوال والمخاطر التي تتربض بالمسيحيين في كل حين.
الا ان السؤال المركزي الذي يدور في زوايا بكركي يتمحور حول ما يريده الموارنة والقادة منهم ان كان من البطريركية او من بعضهم بعضاً، فاللقاءات تم عقدها خلال اكثر من سنة وتقريب وجهات النظر قائم على قدم وساق ولكن عندما تصل المسألة الى الكرسي في بعبدا تتغير الوجوه وتتبدل الملامح وكأن فيها سحراً وشعوذة فيما حقيقة الامر، ان هذه المصادر، تنقل عن البطريرك انه بالراغم من الصلاحيات الموجودة لدى الرئيس العتيد يبقى انه يمثل الطوائف المسيحية والوطن بكامله وهو امتداد لمبدأ الوجود والمصير للمسيحيين في كامل ارجاء الشرق، لكن اذا كان المطلوب من البطريرك ان يفتح مدرسة من مرتبة الاعدادية عند كل منعطف للقادة المسيحيين فعندئذ يستلزم الامر معلماً من رتبة استاذ ليس الا؟!