بقلم يحي جابر
يعرف اللبنانيون جميعاً ان انجاز الاستحقاق الرئاسي ليس أمراً سهلاً، وان دونه عقبات خارجية وداخلية ليست هينة، بل هي بالغة التعقيد بالنظر الى «اختلاف الأولويات بين فريق وفريق» بل و«المصالح»، حيث ان المبدأ العام المعتمد في السياسة، هو «ان لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة..».
وتأسيساً على هذا، فلم يكن أشد وقعاً على اسماع اللبنانيين من الكلام الذي صدر عن رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد ابراهيم أمين السيد، بعد زيارته على رأس وفد من قيادة الحزب، البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي في بكركي، أول من أمس.. ولم يترك فيه مجالاً، مهما كان ضيقاً لطمأنة البطريرك واللبنانيين عموماً، بأن الحزب على استعداد للقيام بما هو واجب ولازم لإزالة المعوقات من طريق انجاز الاستحقاق وانتخاب رئيس للجمهورية ينهي الشغور الذي تجاوز كل حد متوقع.. بل على العكس من ذلك تماماً، حيث أقفل الباب في وجه كل من يتطلع الى دور ايجابي..
وجد البطريرك الراعي في زيارة وفد «حزب الله» الى الصرح للقيام «بواجب التبريك في الأعياد» مناسبة ثمينة، حيث «هناك قضايا وملفات أساسية كبرى تفرض نفسها» لتكون موضوع نقاش وحوار، في طليعتها الاستحقاق الرئاسي المعطل، وليس الحزب بريئاً في ذلك، وهو أحد أبرز الداعمين لترشيح (الجنرال السابق) النائب ميشال لرئاسة الجمهورية.. إلا ان الصدمة كانت كبيرة، والبطريرك يستمع الى التبريرات التي ساقها وفد الحزب، وقد غسل يديه من أي مسؤولية ومعلنا
بصراحة غير مسبوقة، وعلى خلفية اننا «لا نقبل أصلاً ان تقوم الاطراف كلها بأدوارها فيما يخص التسوية لموضوع الرئاسة، ثم يكون دورنا الوحيد اقناع العماد عون بالتنحي عن رئاسة الجمهورية، هذا أمر لم يكن ولن يكون.. لأنه التزام أخلاقي»؟!
طبيعي ان لا يقبض البطريرك الراعي حيثيات الحزب هذه، وتنصله من أي دور لعبور «مبادرة التسوية الرئاسية الشاملة» المنسوبة الى الرئيس سعد الحريري، وقد التقطها من دعوة السيد حسن نصر الله الى «تسوية شاملة».. وهو، أي الراعي، كان، ولايزال، على قناعة، ان الدعم الذي يوفره الحزب للجنرال عون، سبب أساسي وجوهري في عدم الانتقال من مربع العرقلة الى مربع الخيارات المفتوحة التي كان أبرزها ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وهو أحد أبرز قيادات 8 آذار، الى رئاسة الجمهورية، ضمن معادلة دقيقة، رئيس جمورية لـ8 آذار، ورئيس حكومة لـ14 آذار، وحكومة وفاق وطني يصار الى التفاهم المسبق على برنامج عملها للمرحلة اللاحقة، مع استبعاد مسألة سلاح «حزب الله» ومشاركته في الاحداث السورية وغيرها عن أي طرح، لأنها، وعلى ما قال مقربون جداً من الرئيس الحريري، «مسألة أكبر منا جميعاً..»؟!
من حق «حزب الله» ان تكون له خياراته وقراءاته، وهو أحد أبرز الاحزاب السياسية في لبنان، إلا ان المسألة، عندما تصل الى حدود العرقلة والتعطيل، تكون تجاوزت كل حد.. خصوصاً ان «المبادرة الجدية» التي عزيت الى الرئيس الحريري، كانت «فرصة ذهبية» لانهاء الشغور الرئاسي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الافرقاء كافة، وذلك على الرغم من كل العراقيل والعقبات والتحفظات التي طاولتها من داخل «البيت الحريري السياسي» ومن داخل أفرقاء أساسيين في 14 آذار، وكادت تطيح بهذا الفريق؟!
الواضح، أن من بين أبرز الأسباب التي دفعت «حزب الله» الى مواقفه هذه، ليست المسألة «الاخلاقية» والالتزام الأدبي مع العماد عون، بل لأن الحزب شعر «بالمهانة» وبالتهميش، وهو يرقب حركة الاتصالات التي مهدت للقاء باريس بين الحريري وفرنجية، وهو بعيد عنها، ليخلص الى القول: «لسنا معنيين بهذا الأمر ولا نقبل أصلاً ان تقوم الأطراف كلها بأدوار تخص التسوية لموضوع الرئاسة ثم يكون دورنا الوحيد اقناع عون بالتنحي عن رئاسة الجمهورية.. وهذا أمر لم يكن ولن يكون..». وتأسيساً على هذا، فلم يكن أمام البطريرك الراعي سوى ان «يسلم ولو من دون قناعة كافية، بالأمر الواقع، متمنياً على قيادة الحزب، ان تتجاوز هذه المسألة والعمل من أجل انجاز الاستحقاق في أقرب وقت ممكن، بالنظر الى المخاطر الجادة التي تهدد لبنان واللبنانيين، وعلى جميع المستويات..».
واللافت، ان عدداً لا يستهان به من المتابعين، رأى في كلام السيد «رسالة مضمرة» موجهة الى الثنائي الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط.. اللذين، وعلى ما أكدت التطورات، كانا من أبرز العاملين مع الرئيس الحريري لانجاز «مبادرة التسوية»، الأمر الذي يكشف ان علاقة الحزب بسائر الآخرين، تحتاج الى اعادة قراءة جدية وشاملة وموضوعية.. كما تحتاج الى وجوب ان يتخلى الحزب، كما العماد عون، عن «النزعة الفوقية والتفرد» في التعامل مع «الحلفاء» والنظر اليهم على أنهم «حلفاء وأصدقاء لا أتباع».
وبصرف النظر عن صحة، او دقة ما ذهب اليه البعض من ان مبادرة الرئيس الحريري بترشيح فرنجية قائمة وستعود بقوة الى التداول..» فإن الوقائع اليومية تؤكد، ان الرهان على انجاز صفقة تسوية بعيداً عن التطورات الاقليمية ونتائجها المتوقعة، مسألة تعترضها جملة معوقات جوهرية وقد ربط الافرقاء اللبنانيون في غالبيتهم الساحقة، أمورهم بمحاور خارجية.. ولا يستطيعون التحلل منها بالسهولة التي يتصورها البعض، فالالتزام هنا ليس «التزاما أخلاقياً» بل مصلحيا ووجودياً؟!