رفيق خوري
الصراع بين السعودية وايران ليس حول موضوع واحد، وإن قادت الى التصعيد الأخير ردود الفعل على إعدام الشيخ نمر باقر النمر. ولا هو حول ما يدور في بلد واحد، وإن كانت الأضواء مركّزة على اليمن وسوريا، حيث الدور السعودي مباشر في حرب اليمن، والدور الايراني مباشر في حرب سوريا. فالمشروع الاقليمي الايراني أوسع بالطبع من ضمان النفوذ في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء في اطار ما يسمى محور الممانعة والمقاومة. والمشروع السعودي، اذا جاز هذا التوصيف، هو مشروع ممانعة للمشروع الايراني.
وهما معاً فصول من صراع جيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه، يديره الأميركان والروس، وتتشابك فيه مصالح قوى اقليمية أخرى. وتلعب على مسرحه قوى غير دولية مثل داعش والنصرة أدواراً بارزة. ومن الصعب، برغم التركيز على الأبعاد المهمة للجانب الجيوسياسي من الصراع، تغطية الطابع المذهبي الذي يأخذه الصراع.
ذلك ان عوامل عدة ساهمت في تحولات الدور السعودي واندفاعه الى المواجهة المباشرة للمشروع الايراني بأبعاده الجيوسياسية المقلقة للعرب وطابعه المذهبي الشيعي المقلق للسنّة. من غياب الدور العربي للعراق بعد الغزو الأميركي والتواطؤ مع النفوذ الايراني الى ارتباك مصر في استعادة دورها القيادي في العالم العربي. ومن تردد أميركا في التزام تعهداتها لحلفائها العرب وحرص الرئيس باراك أوباما على سياسة فلسفية لادارته في المنطقة الى تمسك روسيا بالتزاماتها حيال دمشق وطهران واندفاع الرئيس فلاديمير بوتين في مغامرة التدخل العسكري. فضلاً عن حرص تركيا على مصالحها مع ايران وضياعها بين الدور الاسلامي الذي أرادته عبر الاخوان المسلمين ولم تعد تعرف كيف تخرج منه بعد الفشل وبين الدور الذي ترى الرياض وعواصم أخرى ان على أنقرة لعبه.
والواضح، بعد قطع العلاقات الديبلوماسية والتصعيد الأخير للصراع، أمران: أولهما ان تخيير ايران بين أن تكون دولة أو ثورة بلسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي كرر مقولة الدكتور هنري كيسينجر، مسألة مرفوضة في طهران التي تصر على انها دولة وثورة معاً. وثانيهما ان ردود الفعل في واشنطن وموسكو وأنقرة وعواصم أخرى أوحت أن المزاج الاقليمي والدولي هو مزاج رغبة في خفض التوتر والتصعيد، والامتناع عن الانزلاق نحو صدام خطر، والتوقف عن التحرك في مسار سلبي يعرقل جهود التوصل الى تسويات سياسية في سوريا واليمن وانفراجات سياسية في لبنان والعراق.
لكن صدام المشاريع مستمر، بصرف النظر عن الخفض أو الزيادة في التوتر.