غراسيا بيطار الرستم
لم يشأ المطارنة الموارنة أن يكون بيانهم الأول للسنة الجديدة عبارة عن تكرار للازمة انتخاب رئيس اليوم قبل الغد. ذهبوا الى أبعد من ذلك، واضعين «مصير الجمهورية» على المحك. تخوفوا من المستقبل ولم يأتوا على ذكر المبادرة الرئاسية لسليمان فرنجية لا من قريب ولا من بعيد.
يوضح أحد المطارنة المشاركين: «ولماذا التكرار من موضوع ملّ الناس منه. الرسالة التي أرادت الكنيسة ايصالها في هذا الموضوع وجهها البطريرك بشارة الراعي أكثر من مرة، وعلى من يعنيهم الأمر أن يقوموا بما يمليه عليهم ضميرهم الوطني». يعلق مقرب من بكركي قائلاً: «لقد تم تأويل موقف البطريركية حيال مبادرة فرنجية وتم تحميل البطريرك مواقف ليست له، ما اضطره الى التوضيح بأنه يشدد على جدية المبادرة بصرف النظر عن الأشخاص. ومن هنا لم يكن من المتوقع ان يعود البيان الشهري لتكرار المكرر».
جاء بيان الاجتماع في ما يشبه «جردة حساب» للأزمات من لبنان الى كل المحيط الملتهب. من فلسطين الى سوريا والعراق وكل بقعة متوترة تصل شظاياها بطريقة أو بأخرى الى لبنان. أما الكلمة السحرية التي رأى المطارنة أنها تشكل الحل لكل تلك الأزمات فهي «الحوار». لبنان، برأيهم، «يحتاج إلى حوار عميق، بسبب من الأزمة السياسية التي تفكّك الدولة، والتي لم يعد ينطلي على أحد ما يعتمل فيها من عناصر هي امتداد للصراع القائم في المنطقة». لافتين الى أن المدخل الى هذا الحوار يتمثل في «التقيّد بأحكام الدستور والميثاق الوطني في انتخاب رأس للدولة، ما يحصّنها في وجه الانهيار الذي يهدّدها». وإذ رأوا أن «استمرار الإبطاء في إتمام هذا الواجب الدستوري، يفسح في المجال لتفسيرات لا تقف عند حدّ التأزم السياسي والصراع بين فريقين، بل تصل إلى حدود التساؤل عن مرامي هذه الأزمة، في ما يتعلق بمستقبل الجمهورية ومصيرها»، أكدوا أن «ليس لأحد مصلحة في اللعب بمصير الجمهورية، في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة والعالم، ولذلك لا بدّ من التعامل بجدّية مع أيّ مبادرة في هذا الشأن».
وأمام ما خلّفته السنة المنصرمة من «قضايا حيوية وحياتية متراكمة ومجمَّدة»، ينبغي على السلطة الإجرائية، برأي المطارنة، «أن تتحمّل مسؤولية العمل الجدي والمنتج، بعيدًا عن التجاذبات السياسية. فالخير العام يحتّم على هذه السلطة التقيّد بما يمليه عليها، مع التمييز الصريح بين متطلبات المسؤولية والخيارات السياسية». موجهين التحية الى الجيش والقوى الأمنية «على الإنجازات التي يقومان بها، إن على مستوى السهر على الحدود، والوقوف في وجه الإرهاب، أو على مستوى ضبط الجريمة والتهريب والخطف وغيرها». وإذ تمسك المطارنة بـ «سلاح الرجاء المسيحي مع بداية السنة الجديدة، ناشدين السلام لكل المشهد المتفجر حيث يسقط الأبرياء، ضمّوا صوتهم الى صوت البابا فرنسيس الأول الذي ذكّر العالم، في رسالته الأخيرة ليوم السلام العالمي، بأنّ السلام لا يتمّ من دون الخروج من اللامبالاة إلى التضامن البشري، وبأنّ الشرط الأساسي لبناء هذا التضامن هو الحوار». مشددين على «حاجة هذا الشّرق الى لغة الحوار الأصيل، لأنّ الأزمات والحروب هي في الغالب وليدة فقدان الثقة التاريخية بين مكوِّنات المجتمعات».
وفي جردة السنة وكل سنة، تحضر فلسطين في هواجس الكنيسة المارونية. فشجّع الآباء «قيام حوار جدّي على مستوى القضية الفلسطينية، لعلّ دماء الأبرياء التي تُسفك كلّ يوم، تكون صوتًا صارخًا في ضمائر المسؤولين». داعين «الى قيام حوار جدّي يستكمل المساعي السابقة، حول حقّ الفلسطينيين في دولة تجمع شمل العائلة الفلسطينية المبعثرة، وتوفّر حيّزًا من الثقة لدى مواطنيها، وتعزّز الكرامة الإنسانية وحقوقها»، لافتين الى أن «حلّ القضية الفلسطينية هو المدخل إلى حلّ كلّ أزمات المنطقة».
«علاج» الحوار وصفه المطارنة أيضا لسوريا والعراق واليمن وغيرها من البلدان العربية المهدّدة بانتشار الفوضى فيها والتي تعيش صراعات مفتوحة الى أجل غير محدّد لأن الحوار، برأيهم، يمكنه أن يضع حداً لهذه الصراعات، ويجد لها حلًّا سياسيًّا، بدلًا من الحسم العسكري الهدّام، في ظل سياسات دولية تسهم في إطالة مدى الحروب والنزاعات ما أمكن».
ورأى المطارنة أنه «لا بدّ من أن يأخذ الحوار أيضًا طابعاً خاصًا في الغرب، بعد الجو الذي ساد هناك خلال السنة المنصرمة». فهذا الجو، برأيهم، يتطلب حوارًا «يزيل عن الوضع القائم طابع صراع الحضارات، ويطلق الشروع بسياسات تفاعل تتطابق وحقيقة التداخل الحضاري الحاصل». مشددين «على أهمية دور لبنان كمختبر للتعايش، وعلى إسهامه في ورشة الحوار هذه، انطلاقًا من تجربته التاريخية على هذا الصعيد».