ربى كبّارة
طغى تفاقم الخلاف الاقليمي على منصب الرئاسة الاولى الذي دخلت مفاعيل انجازه دائرة الغموض الشديد مع تفاقم التشنج السعودي - الايراني وتلكؤ الولايات المتحدة، خلافا لتعهداتها، عن ضبط تمدد النفوذ الفارسي في المناطق العربية بعد انجاز الملف النووي، بما حتّم على الدول الخليجية خصوصا، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، الانتقال الى المواجهة بدل الاستمرار في سياسة مسك العصا من وسطها حفاظا على استقرار مجتمعاتها.
وقد تفجر الخلاف السعودي - الايراني بعد احراق السفارة السعودية في طهران والهجوم على قنصليتها في مشهد انتقاما لاعدامها مواطنها الداعية الشيعي نمر النمر، والذي كان واحدا من بين 47 شخصا اعدموا لتورطهم بالارهاب. فأتى الرد الملكي قطعا للعلاقات الديبلوماسية في خطوة حظيت بدعم خليجي وعربي عبرت عنه مواقف الجامعة العربية المستنكرة.
ولم تكن ايران لتتوقع هذا الرد رغم ما سبقه من مؤشرات واضحة الى تغيير في نمط مواجهة المستجدات انطلق مع «عاصفة الحزم«، بما يوحي بان الزمن الذي كانت فيه السعودية تتردد في المواجهة حفاظا على الاستقرار في الاقليم قد ولى لان التوغل الايراني غير الملتزم بخطوط حمر لم يترك لها مفرا وفق سياسي سيادي. كما يشكل الموقف السعودي نوعا من الرد على التلكؤ الاميركي في مواجهة التمدد الايراني عندما تخلف عن فرض قيود جديدة على ايران ردا على الاختبارات الاستفزازية لصواريخها البالستية في مضيق هرمز، وذلك خلافا لتعهداته السابقة «بالعمل مع الحلفاء والاصدقاء للحد من انشطتها المزعزعة للاستقرار» وفق المصدر نفسه.
بعد هذه الاحداث لم يعد ملء الشغور واردا في الامد المنظور وخصوصا ان ورقة الرئاسة بالنسبة لايران ورقة لها ثمنها لدى الغرب المتمسك بالحفاظ على استقرار لبنان اقله حفاظا على امن اسرائيل.فماذا لو وصل المتشددون الى جنوب لبنان وارادوا اكتساب شرعية اسلامية واسعة عبر هجمات على الدولة العبرية؟، كما يقول السياسي السيادي. وهو يلفت الى ان ايران لا تريد التفريط بهذه الورقة، بغض النظر عن شخص المرشح، قبل اتضاح بضعة امور منها ما هو داخلي يتمثل بنتائج انتخاباتها الاولى التي تخوضها بعد طي صفحة الملف النووي، ومنها ما هو خارجي يتمثل بالحجم الاقليمي المسموح لها به والذي لن تتحدد ملامحه قبل وصول رئيس جديد للسدة الاميركية في نهاية العام الجاري. وتترافق هذه المدة مع ما هو متوقع للمرحلة الانتقالية في سوريا وفق معطيات مرحلة التفاوض الجديدة المقررة في 25 من الجاري بين النظام والمعارضة.
فطرح النائب سليمان فرنجية، رغم انتمائه الى «قوى 8 آذار» كحل لمسألة الشغور المتواصل منذ اكثر من 19 شهرا بدا معقولا عند بدء تداوله في ظل توافق غربي وسعودي واضح وايراني ضمني سرعان ما انكشف التنصل منه عبر تشدد «حزب الله» في تمسكه بالنائب ميشال عون مرشحا وحيدا.
فقد فوّت اللبنانيون فرصة انتهاز التقاطع الايجابي لانهاء الشغور بسرعة لان التوافق الاميركي - الروسي بدا واضحا بشأن امور المنطقة وانعكس هدوءا في مرحلة اولى على جبهة طهران - الرياض. ثم تغيرت الامور بسبب المستجدات الاخيرة لان ملء الشغور يتطلب حدا ادنى من التوافق الاقليمي كما اوضح مسؤولون لبنانيون منهم وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اقر بان ملء الشغور «قرار اقليمي دولي غير متوفر الآن» واعتبار رئيس مجلس النواب نبيه بري انه متعذر حاليا.
ومحلياً، الى جانب رفض «حزب الله«، اتى رفض سمير جعجع، الداعي الى مرشح توافقي اذا لم يكن من ضمن 14 آذار، بما دفعه الى حد التلويح بدعم ترشيح عون في خطوة يدرجها المصدر نفسه في اطار السعي لابعاد فرنجية مستبعدا استكمالها ومصنفا اياها باللعب في الوقت الضائع.
ومن مؤشرات دخول الرئاسة «ثلاجة الانتظار» الدفع الكبير لتفعيل العمل الحكومي. فالتركيز في جولة الحوار الاخيرة تمحور حول هذه النقطة بعد ان كان ملء الفراغ الرئاسي بنده الاول الذي لن يتم تخطيه قبل انجازه.