يحي جابر
في لقاء لم يكن مهيئاً للنشر، استغرب مصدر ديبلوماسي عربي، الطريقة التي يعتمدهاس أفرقاء لبنانيون، على اختلاف اصطفافاتهم السياسية وغير السياسية، في استحضار مرجعيات ديبلوماسية، أجنبية او اقليمية وعربية، عند كل أزمة لبنانية داخلية، صغيرة كانت أم كبيرة، ليخلص الى القول »ان هذا السلوك، ان دلّ على شيء فإنما يدل على فقدان الارادة الداخلية واستقلالية القرار ورهن كل شيء بالخارج..«.
فقد لفت »المصدر« اعلاه استحضار أفرقاء بارزين في قوى ما يسمى بـ8 آذار، المملكة العربية السعودية الى الداخل اللبناني بطريقة »مريبة وغير صافية، لم يكن القصد منها سوى التغطية على التدخل الايراني المكشوف والمباشر وغير المباشر، وتبريره في أدق التفاصيل في الحياة السياسية وغير السياسية في لبنان..« وهو أمر لم يلقَ قبولاً من كثيرين، كما من المملكة العربية السعودية، التي لم تنفك تنصح الافرقاء اللبنانيين بالكف عن استجداء الخارج والزج به في أدق التفاصيل اللبنانية، على قاعدة: »أهل مكة أدرى بشعابها..« كما وعلى قاعدة المثل الشعبي: »ما حك جلدك متل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك..«.
من حق، بل من واجب أي بعثة ديبلوماسية ان تكون على المام كاف بوضع البلد وهو يمر بمثل الظروف التي يمر بها، لكن ان يتحول هذا الدور الى »دور المرشد والآمر والناهي فذلك منتهى تجاوز حدود المهمة والصلاحيات، ويدخل في باب التدخل المباشر في شؤون البلد الداخلية« ويقول المصدر، »من المؤسف ان أفرقاء في قوى 8 آذار، يرون القذى في عيون غيرهم ولا يرون القشة في أعينهم..« واذا كان لا بد من تصويب العلاقات مع أي دولة، فالأجدر ان تبدأ مع ايران التي اصطبغ مسارها منذ »ثورة الخميني« أواخر سبعينات القرن الماضي، حتى اللحظة بتدخلات سافرة، وعلى المكشوف، ابتداء من »تصدير الثورة« وانتهاء بـ»الولي الفقيه« و»الولاء للمرجعية«، الأمر الذي أثار لدى العديد من دول الجوار ردّات فعل طبيعية تتوافق مع القوانين والاعراف المعتمدة دولياً، كما ومع حق كل دولة بالرد بما يتناسب ودفع مخاطر التدخل في شؤونها البحت داخلية..
يؤكد المصدر، ان السعودية صبرت طويلاً على هذا السلوك الذي اعتمدته ايران، وتمسكت بحبل الصبر طويلاً الى ان جاءت تطورات البحرين والعراق وسوريا واليمن لتقول: كفى..«؟!. حيث لم يكن ممكنا لهذه الدولة العربية صاحبة الرصيد العميق عربياً واسلامياً، ان تبقى ساكتة عن هذه التجاوزات التي باتت تهدد أمنها واستقرارها، من قريب او من بعيد. كما ولم يكن بإمكانها ان تبقى بمنأى عن هذه التطورات وهي التي كانت سباقة في احتضان الافرقاء اللبنانيين على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم، وتوفير كل ما يمكن لتأمين الحد المطلوب من اعادة لبنان الدولة والكيان الى وضعها الطبيعي، ابتداءً من »الطائف« الذي شكل محطة فاصلة بين مرحلتي الحرب الداخلية والعودة الى الاستقرار، وذلك على الرغم مما تعرض له هذا الاتفاق من »قصقصة جوانح« ومزاجية في التطبيق؟! الأمر الذي أوصله الى ما وصل اليه هذه الأيام من فراغ متماد في رئاسة الجمهورية وتعطيل متعمد وشلل شبه كامل في مؤسستي مجلس النواب والوزراء.. الذي انعكس سلبا على سائر المؤسسات، ومنها المؤسسة العسكرية، التي حافظت على حد مقبول من التماسك في مواجهة تحديات الخارج، كما الداخل..
هذا الفراغ، والشلل المتمادي في مؤسسات الدولة، اللذين لم يكونا وليدي الصدفة، أثارا لدى الرياض قلقاً غير مسبوق، ورأت فيهما خطراً شديداً على حاضر لبنان ومستقبله.. وهي حيث لها »مونة« و»كلمة« لم تتأخر بابداء النصيحة.. لكن المسألة، على ما دلت المعطيات كانت أكثر تعقيداً، وأبعد من مسألة ملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية..
لا يخفي المصدر القلق من بروز »الدويلات« داخل الدولة، لاسيما وان إحدى هذه الدويلات (»حزب الله«) بات أقوى من الدولة التي اسهم في تفكيكها واضعافها وتهميشها على نحو لافت، وهو لم يرضَ، او لم يكن في موضع القبول بأن يكون حزباً سياسياً، كما سائر الاحزاب التي سلّمت سلاحها الى الدولة بعد اتفاق الطائف، بل على العكس من ذلك، وهو بعد انجاز التحرير من الاحتلال الاسرائيلي مضى في تعزيز قدراته العسكرية عشرات، بل مئات المرات على ما كانت عليه قبل التحرير.
لم تشأ المؤسسة العسكرية الصدام مع الحزب.. خصوصاً ان الحجة المعتمدة ان المخاطر الاسرائيلية قائمة والجيش ليس في وضع يؤهله لمواجهة متكافئة.. فكانت هبات مليارات الدولارات من السعودية للمؤسسة العسكرية دليلاً على رغبة الرياض ببناء دولة في لبنان، قادرة ومقتدرة وغير مرتهنة لأي من الميليشيات المدعومة بقوة تجاوزت كل حد من الخارج الاقليمي، وتحديداً من ايران، لأسباب لا علاقة لها من قريب او من بعيد بالتهديدات والمخاطر الاسرائيلية، خصوصاً بعد الـ1701.
يؤكد المصدر، ان أكثر من كان يشعر بالخطر على نفسه ودوره من تنفيذ الهبات السعودية، هو »حزب الله«، الذي تجاوز دوره كل حد، وبات لاعباً أساسياً ومفوضاً بالكامل من ايران، وقد سلك طريق تعطيل انجاز الانتخابات الرئاسية..« ولا يستبعد المصدر ان يكون »حزب الله« ماض في قرار تعطيل الانتخابات الرئاسية بهدف اعادة النظر باتفاق الطائف، والوصول الى »مؤتمر تأسيسي«، يخرج لبنان من دولة المواطنة، الى كونفدرالية الطوائف والمذاهب، على ما يخطط من سيناريوات للمنطقة، ابتداء من اليمن وصولاً الى سوريا مروراً بالعراق، فتكون الضربة القاضية للبنان.
يخلص المصدر الى القول ان ما يحكى عن تدخلات سعودية في لبنان أمر غير دقيق وهي عندما تسأل تنصح ولا تقرر ولا تعطي تعليمات او أوامر.. وتترك الحرية والخيار للأفرقاء اللبنانيين ليقرروا مصير ومستقبل بلدهم ولا تقرر عنهم، ولا تضع شروطاً.. هذا مع الاشارة، الى ان المصدر أكد على ان الهبات السعودية للجيش محفوظة وبعيدة عن أي تلاعب والفرج الآتي حكماً الى لبنان سيكشف »ان صديقك من صدقك لا من صدقك«. هذا مع اشارة الى ان المصدر لم يتوقع ان يتوقف »حزب الله« ومن يمسك بارادتهم، عن حملاتهم المبرمجة ضد السعودية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها العلاقات السعودية - الايرانية، هذا مع الاشارة الى ان بعض المواقع في طهران، بدأ يدرك خطورة »الشعور بفائض القوة« الذي يأخذ بعقول وسلوكيات آخرين..