هل يدعو البطريرك الراعي للقاء مسيحي موسع «يحرر» الاستحقاق الرئاسي؟!
يحي جابر
هل يبادر البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ويدعو الى «لقاء مسيحي موسع» في الصرح البطريركي في بكركي، استجابة لرغبة، بل لطلب رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون؟ أم يفضل التريث لمثل هذه الدعوة التي، ان لم تكن ناضجة كفاية ومستوفاة كامل شروط نجاحها، فستكون تداعياتها السلبية، أكبر كثيراً مما هو واقع حال «الافرقاء المسيحيين» اليوم؟!
على أهمية «لقاء معراب» بين العماد عون وما يمثله، ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع وما يمثله، وما صدر عنه في بيان النقاط العشر، فإن من المبالغة الاعتقاد ان الدافع لهذا اللقاء هو في المقام الأول تجميع الساحة المسيحية، وتوحيد كلمتها في مواجهة الاستحقاقات الداهمة، وقبل ذلك لتوفير مقومات وجودها الميثاقي الفاعل في الكيان اللبناني... وذلك على الرغم من ان كثيرين يرون في هذا التنوع داخل البيئة المسيحية «عامل صحة وعافية..»؟!
لم يكن «لقاء معراب» وليد اللحظة، على ما تؤكد المعلومات والمعطيات المتوافرة، والاتصالات بين «التيار الحر» و»التكل» من جهة و»القوات» من جهة ثانية تعود الى أشهر عديدة.. لكن ولا مرة أوحت الاتصالات - على رغم «اعلان النيات» ان الفريقين «الأبرز في الساحة المارونية - ان الفريقين باتجاه توحيد المواقف من استحقاق رئاسة الجمهورية، حيث العماد عون مرشح قوى 8 آذار، وجعجع مرشح قوى 14 آذار.. غير ان التطورات التي دخلت على الخط، وعلى نحو غير متوقع، جعلت من «المستحيل» امراً واقعاً، وقد أحس رئيس «القوات» سمير جعجع أنه طعن في الظهر من أقرب حلفائه، بعد ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية مدعوماً من قبل الرئيس سعد الحريري..
إلى الآن، لم يستطع أي من الفريقين (عون وجعجع) احداث أي نقلة نوعية ما على خط تسهيل العبور الى انجاز الاستحقاق الرئاسي، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ لا يكفي ان يبرم أبرز اثنين من أقطاب «المارونية السياسية» اتفاقاً، لتكون الأمور قد حلّت.. فالانقسامات المسيحية - المسيحية (وتحديداً المارونية السياسية) لاتزال قائمة، وتتعزز أكثر يوماً بعد يوم، والذين كانوا من الافرقاء الآخرين، يرفعون شعار «ليتوحد الافرقاء المسيحيون ونحن من ورائهم»، لايزالون عند مواقفهم، وهم على قناعة ان الثنائي عون - جعجع لا يختزل الاجماع المسيحي - الماروني الاقرب الى الاستحالات منه الى أي شيء آخر؟! هذا يعني ان لا رئيس للجمهورية في الثامن من شباط الجاري، ولا في المدى المنظور، وذلك على رغم كثرة الآراء والمواقف التي تربط حل أزمة الرئاسة اللبنانية بقرار دولي - اقليمي عربي.. مع الاشارة الى ان هذه الأزمة، ليست وليدة الشغور فحسب، بل هي بدأت مع آخر سنتين او ثلاث من ولاية الرئيس ميشال سليمان، الذي يؤخذ عليه انقلابه على «حزب الله» وما يمثله ونقض الأسس التي قام عليها انتخابه، ومن بينها تحول «الثلاثية الذهبية» الى «ثلاثية خشبية..» (الجيش والشعب والمقاومة).
الاستعانة بالصرح البطريركي ليست جديدة.. ولمرات عديدة دب الحماس في عروق سيد الصرح، وقرر جمع الافرقاء المسيحيين لكن النتائج كانت مخيبة للآمال، دفعت البطريرك الراعي الى مكاشفة العديد ممن يراجعون بحقائق الأمور ليخلص الى القول «ابعدوا عني هذه الكأس..».. الى ان كانت زيارة أمين سر تكتل «التغيير والاصلاح»، النائب ابراهيم كنعان للبطريرك أول من أمس، وكانت الرغبة في الدعوة للم شمل المسيحيين البند الأساس الحاضر.. من غير ان يحظى بأي اشارة تفيد تجاوب الراعي مع هذا التمني او غسل يديه؟! وهو، يدرك ان المساعي الدولية، وتحديداً الفرنسية، على خط السعي لانجاز الاستحقاق الرئاسي مع القيادة الايرانية لم تخلص الى نتائج ايجابية ومضمونة وحاسمة فجاء الجواب من الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، باعلان تمسكه «الأخلاقي - الاخلاقي والأخلاقي - السياسي بالجنرال عون، مرشحاً لرئاسة الجمهورية».
زيارة الراعي الأخيرة الى الفاتيكان، ولقاؤه قداسة البابا، «أكدت له المؤكد» وهي ان المساعي الدولية - العربية - الاقليمية لانجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، موقوفة على جملة تطورات على أرض الواقع.. ولا أحد يريد حرق الراحل، بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في اليمن والعراق مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان، الذي «يكفيه راهنا المحافظة على السلم والاستقرار والأمن الداخلي..»؟! زد على ذلك، ان تمسك «حزب الله» - وإن كان لا يختصر سائر أفرقاء 8 آذار - بترشيح العماد عون، هو من باب وضع العصي في الدواليب وهو يعرف تماماً صعوبة، بل استحالة وصول «جنرال الرابية» الى سدة الرئاسة الأولى، ضمن موازين القوى المتوافرة حالياً..
لا يخفي كثيرون جدية «القلق على مستقبل وفاعلية وتأثير الوجود المسيحي في لبنان..» ونقطة الضعف الرئيسية في هذا، تعود الى ما يسميه البعض بـ»الشرذمة» والتحاق الافرقاء الوازنين مسيحياً، بالافرقاء الوازنين في الطوائف الأخرى.. وتأسيساً على هذا، يتجه الجنرال عون، كما جعجع الى تعزيز تفاهمهما بما هو أبعد من بيان «النقاط العشر»، وبعناوين أخرى تستحضر الافرقاء الآخرين، وتكون دعماً اضافيا لحضورهما السياسي وفاعليته.. وإن هما سلما بصعوبة انضمام «الكتائب» و»الاحرار» و»المستقلين» كما و»المردة».. فكان لا بد من طرق باب الصرح البطريركي.. و»الوقوف على خاطره ونيل بركته والطلب منه القيام بما يجب، وبكل ما يقدر عليه لاعادة جمع الافرقاء المسيحيين كافة» أقله من أجل تعزيز حماية الدور المسيحي وفاعليته وتحرير قرار انجاز الاستحقاق الرئاسي، ما أمكن من قبضة الآخرين، في الخارج كما في الداخل..».
الأيام القليلة المقبلة ستكون كافية كمؤشر يمكن البناء عليه او لا.. مع الأخذ في عين الاعتبار الواقع الدولي - الاقليمي - العربي كعامل مؤثر وحاسم وفاعل في انجاز الاستحقاق؟!