يمر الجيش اللبناني في عصر ذهبي على مستوى التسليح وتعزيز قوته وتمكينه، قد تكون الأهم في تاريخه، ومنذ تأسيسه، عطفاً على الأزمة السورية، والقرار الأقليمي والدولي بضرورة الحفاظ على استقرار لبنان.
في هذا الإطار برزَت زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي للولايات المتحدة الأميركيّة لطلب مساعدات عسكرية جديدة وفقاً للبرنامج الذي وضعته وزارة الدفاع الأميركية ووافق عليه الرئيس السابق جورج بوش في العام 2006، لكن وزارة الدفاع الأميركية وضعت شرطين، وهما توسيع الجيش من انتشاره على الأراضي اللبنانية، وتقديم ضمانات بعدم وصول الأسلحة إلى "حزب الله"، الأمر الذي لم تستطع الحكومات اللبنانية المتعاقبة تأمينه، ما عرقل تسليم بعض الأسلحة، ومع ذللك قدمت واشنطن منذ العام 2006 مساعدات بقيمة مليار دولار، شهدت في السنتين الأخيرتين تحولاً كبيراً، تأمل المؤسسة العسكرية أن يكون نهاية العوائق التي منعت إمدادات السلاح بشكل منتظم تضمنت ذخائر وطائرات من نوع سيسنا مزودة بالسلاح وبنادق حديثة وآليات وناقلات جند من نوع "أم 113" و6 مروحيات من طراز "بيل"، وسط وعود بزيادة هذا الدعم خلال العام 2016.
إلى جانب المساعدات الأميركية، ستشكل المساعدات العسكرية الفرنسية إلى الجيش ضمن الهبة السعودية البالغة أربعة مليارات دولار، نقطة تحول في قدرة الجيش حيث تضم الصفقة التي ستُسلم على 5 سنوات عشرات من العربات المدرعة القتالية، ورادارات من شركة "طاليس"، وست طائرات مروحية للنقل المسلح، ومدفعية حربية حديثة، على غرار مدافع "سيزار"، وصواريخ "ميلان"، إضافة إلى نحو 250 آلية عسكرية، وسبع مروحيات من نوع "كوغار"، وثلاثة زوارق سريعة، ومعدات للاستطلاع والاعتراض والاتصال، وتنتهي بتسليم مروحيات "كوغار" في العام 2018، على الرغم من أن فرنسا رفضت تزويد لبنان بصوايخ "أكزوسيت" المضادة للسفن، ومنظومات مضادة للطائرات لاعتبارات لها علاقة بأمن اسرائيل.
أما الدفعة الثانية المُتوقع وصولها في الربيع المقبل فيرى العميد المتقاعد هشام جابر في حديث لـ"المدن" أنها على الأغلب ستتضمن صواريخ إضافية من نوع "ميلان"، وأجهزة اتصالات حديثة، مع احتمال وصول بعض الأليات العسكرية من شركة "ار تي دي". ويصف جابر المساعدات الفرنسية بالمهمة لأنها تضم أسلحة ستعزز بشكل كبير من قدرة الجيش اللبناني، بعد أن عانى طويلاً من مشاكل التسليح. ويعتقد بعض الخبراء العسكريين الأميركيين أن الجيش اللبناني سيسعى لاحقاً للتخلص من دبابات "T-54/55" و"M-48"، وسيحتاج بالتالي إلى 100 دبابة جديدة، مع احتمال شراء بعض المعدات والرادارات من الصين وروسيا بسعر منخفض.
وكان لبنان عانى طويلاً من مشاكل التسليح، ففي اوائل الثمانينات حصل في عهد أمين الجميل على مساعدات عسكرية معظمها من الولايات المتحدة فرنسا، والأردن، ودول عربية أخرى، وفي منتصف الثمانينات توقف الدعم الدولي، وحصلت الوحدات العسكرية التي كان يقودها ميشال عون على أسلحة من العراق، وبعد توقيع اتفاق الطائف حصل لبنان على مساعدات جديدة لكنها ليست بالمستوى المطلوب من العديد من الدول العربية، خصوصا سوريا، ليبيا، مصر، والجزائر. وشملت هذه المساعدات أسلحة سوفيتية الصنع ومستعملة، مثل دبابات "T-54/55"، ومدفعية ميدان 122 ملم، و130 وقذائف هاون من عيارات مختلفة، ومدفعية مضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للطائرات "SAM-7"، وقاذفات صواريخ متعددة "BM-21"، عيار 122 ملم.
كما أن لبنان حاول في العام 2007 شراء 40 دبابة من نوع "ليوبارد -1" و32 مدرعة "YPR" مع بنادق من نوع "25 MM" من بلجيكا، بموجب منحة قدمتها السعودية، وبلغت قيمتها 100 مليون دولار، بعد معركة نهر البارد، لكن الصراع السياسي في بلجيكا، وفشل مساعي تشكيل حكومة ائتلافية، منع إرسال الأسلحة التي قالت بلجيكا انها ستستبدلها بمركبات من نوع "Mowag Piranha-II"، لكنها لم تصل ايضاً.
وفي عام 2008 أعلن وزير الدفاع السابق الياس المر، وقائد الجيش اللبناني انذاك العماد ميشال سليمان، وضع رؤية لتحديث الجيش، بعد أن واجهت القوات المسلحة اللبنانية صعوبات خلال معركة نهر البارد، وتشير هذه الرؤية الى ضرورة الاعتماد أكثر على القوات الخاصة، وعدد أقل من الألوية الثقيلة، ما يتطلب الحصول على أسلحة خفيفة، ومتوسطة، وطائرات هليكوبتر هجومية، لكن خطة المر، التي تضمنت ايضاً تنظيم أفواج القوات الخاصة، ليصبح عددها بين عشرة وخمسة عشر فوجاً، بقيت حبراً على ورق وطويت مع الزمن، على الرغم من أن الإشكالات والمعارك الحدودية، وخصوصاً في عرسال مؤخراً، أثبتت الحاجة الى هذه الرؤية.
ودخل الجيش بعد خطة المر بمناقشات قادتها القيادة المركزية الأمريكية مع القوات المسلحة الأردنية لنقل دبابات "M60"، لتحل محل القديمة السوفيتية "T-55"، لكن الإمارات العربية المتحدة لم تلتزم بدفع مبلغ 17 مليون دولار، لشراء عشر دبابات، ولم تلتزم بعدها بدفع مبلغ 98 مليون دولار لتمويل شراء 56 دبابة.
وبالرغم من أهمية المساعدات العسكرية الأميركية والفرنسية والتي ستساهم في تطوير أداء الجيش إلا أن لبنان بحاجة لوضع استراتيجية عسكرية تضمن استمرار وصول المعدات العسكرية الحديثة وقطع الغيار كي لا تواجه المؤسسة العسكرية مجدداَ مشاكل التسليح، والتي أضعفت دورها بشكل كبير في كثير من الأحداث على الساحة اللبنانية، كما الحاجة الى استراتيجية قتالية واضحة