يحيى أحمد الكعكي
وجاء شهر شباط ٢٠١٦ وهو يحمل تبعات "الإنقلاب السياسي" الذي قام به "بعض" ٨ آذار، في ١٨-٢-٢٠١٣ ضد "الشرعية الدستورية" ليطيروا الانتخابات النيابية حتى لا تجري في عهد "سليمان الحكيم" الذي أكد في مأدبة افطار ٢٠١٢ أن صناديق الاقتراع لا لغة السلاح..
وكانت عين الإنقلابيين يومها تغيّب لبنان عن الساحة الدولية عموماً، وعن الساحة العربية عموماً.. عبر تطيير الرئاسة الأولى وهذا ما حصل فعلاً.. بعد ٢٦-٥-٢٠١٤ حينما سلّم الرئيس سليمان الأمانة لـلبنانيين، ليصبح لبنان - الرسالة بعدها بسبب انقلاب ١٨-٢-٢٠١٣ دولة اسما فقط، والحقيقة أنه لا دولة لأن رمزها وصوتها مغيبان!
وهذا ما يستدعي من العملاء في الوطن مراجعة سياسية ودراسة عميقة ودقيقة للمواقف، بشفافية وتجرد، كي يستطيع هذا الوطن أن يسقط مقولة بول مارتن مراسل صحيفة التايمز التي أشار فيها في ٢٦-١١-١٩٧٥ - والتي عادت تتردد اليوم بعد ٤١ عاماً - إلى أن صيغة لا غالب ولا مغلوب القديمة سقطت، ولم يعد في الامكان تطبيقها على الأزمة الحالية (وكان يقصد الحرب القذرة.. وعلّل ذلك موضحاً ان شهور القتال الطويلة أسفرت عن تقسيم لبنان بالتقسيط دون أن يعي شعبه ما الذي يحدث فعلاً.. وليس هناك من يدري متى سيستطيع لبنان أن ينهض على قدميه مرة أخرى؟ أو متى سينتهي النزاع القائم؟ إلا أن الثابت من بين هذه التساؤلات أن الحل التقليدي للأزمات اللبنانية، والذي يتمثل عادة في إنهائها بلا غالب ولا مغلوب، لم يعد في الامكان تطبيقه على الأزمة الحالية..!
وهذه المقولة التي بدأت تتردد منذ انقلاب ١٨ شباط ٢٠١٣ السياسي على الرئاسة الأولى، والذي غيّبها حتى الآن!! إلا أن "اتفاق الطائف" أعاد وغلّب صيغة "لا غالب ولا مغلوب" التي عُدّل الدستور اللبناني على ضوئها بالقانون الدستوري الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠.. لتعود وتنتصر صيغة "لا غالب ولا مغلوب" لأن لبنان لا يمكن أن يُحكم إلاّ بالتوافق أو "لا غالب ولا مغلوب".
هذه المقولة التي كانت تتردد في خارج لبنان« بعد تفجّر الحرب القذرة في عام ١٩٧٥ تراجعت بعدها في عام ١٩٧٦ مع الحل المدوّل آنذاك للمسألة اللبنانية، الذي بشّر به "دين براون" مبعوث الرئيس الأميركي "فورد" إلى لبنان، وكشف عنه في ندوة صحفية متلفزة بُثّت في "واشنطن" في آب ١٩٧٦، ونشرتها مجلة "المونداي مورنيغ" اللبنانية في ٢٣-٨-١٩٧٦.. حيث قال "إذا لم يستطع اللبنانيون العودة إلى صيغة النظام السابق - أي لا غالب ولا مغلوب - فإن التسوية ستكون بحسب النظام الفيدرالي، على أن تكون خطوط وقف اطلاق النار هي الحدود الفاصلة بين الكانتونات المكوّنة للنظام السياسي الفيدرالي الجديد"..!
ومع أن هذا "الحل" سقط، وانتصر "لبنان الواحد الموحّد" أرضاً وشعباً وسلطة سياسية، بـاتفاق الطائف الذي كرِّس في القانون الدستوري الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠.. إلاَّ أن فكرة هذا الحل عادت لتطل على لبنان "العربي الهوية والانتماء"، والذي "أرضه أرض واحدة لكل اللبنانيين"، فلا "فرز للشعب على أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين"، ولا شرعية لأي سلطة تناقش ميثاق العيش المشترك كما جاء في مقدمة الدستور المعدّل بموجب القانون الدستوري ٢١-٩-١٩٩٠.. عادت فكرة هذا "الحل" لتطل على لبنان عبر مشاريع قوانين الانتخابات الطائفية، بهدف أن تحوِّل أنظار اللبنانيين عن أجندات داخلية خاصة بعد إنقلاب ١٨ شباط ٢٠١٣ السياسي، ثم أسَرْ الرئاسة الأولى ووضع لبنان في دوامة انتخابات الرئاسة الأولى غطاء لتنفيذ هذه الأجندات.. بينما الوطن غارق في الفنجان ويعيش مرحلة ترقب وحذر وغموض مستقبلي تجره إلى "أيام الحرب القذرة" ١٩٧٥ - ١٩٧٦ وما بعد حتى تشرين الأول ١٩٨٩..
وفي ذكرى مرور ١٠٠ عام على توقيع اتفاقية "سايكس - بيكو" بين القوى العظمى في ١٩١٦ (الغرب متمثلاً ببريطانيا وفرنسا، والشرق بروسيا) التي تُعاد اليوم بتسميات أخرى في القوى العظمى - إلى حد ما - حيث يستمر التخطيط لكيفية تفتيت ما نجحت "القوى العظمى" في تقسيمه قبل حوالى ١٠٠ عام في ١٥-٥-١٩١٦!!
من هنا الدعوة إلى "عقلاء الوطن" ليقوموا وبصورة عاجلة واستثنائية إلى مراجعة "سياسية - أمنية" للحسابات، ودراسة عميقة ودقيقة للمواقف بشفافية وتجرّد ليبقى هذا الوطن "سيداً حراً مستقلاً، نهائياً لجميع أبنائه، وحيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".. أي لتبقى صيغة "لا غالب ولا مغلوب" حلاً لأزمات لبنان قبل أن تحلّ محلها صيغة "توازن الرعب الطائفي" التي بدأت تطلّ برأسها على "لبنان القديم" وهي التي تصب في مشروع أصحاب "الأجندات الخاصة" في "الداخل" المسيرين من الخارج، بحسب الصورة "الاقليمية - الدولية الجديدة" في "الشرق الأوسط" الذي أصبح جديداً وليس كما كان بعد ولادته في ١٩٢٢.
هذا المشروع الذي سيكون مكملاً لاتفاقية "سايكس - بيكو" في مئويتها الأولى، وإنما هذه المرة سيكون رسم "الصورة الجديدة" بواسطة "الإرهاب المعَوْلم" الذي لا دين له ولا هوية أو "الحرب الدولية" على هذا "الإرهاب المعَوْلم".