محور الشر الثلاثي: تغيب الرئاسة الأولى- النأي بالنفس- النفاق السياسي
يحيى احمد الكعكي
كان لــ»النأي بالنفس« على »الطريقة اللبنانية«، وهي تطبيقها »مع« أو »ضد« تجاه »القضايا العربية« وفقاً لمزاج »فريق معين« بهدف »تغيب لبنان« وسلخه عن »محيطه القومي العربي« عبر أسلوب الغالب والمغلوب«، آثاراً سيئة عليه من أشقائه العرب بدأت من تراجع »السعودية« في اجراءاتها لشراء أسلحة للجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي من فرنسا، أعلنت »الإمارات« و»البحرين« تأييدهما لها.. كما يمكن أن نضيف لها إغلاق فرعي »البنك الأهلي السعودي«.. وكل الأمل أن تقف هذه الاجراءات عند هذا الحد تطاول اللبنانيين العاملين في الدولتين الشقيقتين«..
ذلك فإن الحاجة ملحة الآن لتدارك في هذه الظروف المصيرية والدقيقة والحرجة هو شيوع »الفكر الانطباعي اللامسؤول« وشيوع ثقافة اللامسؤولية، واللامبالاة بمصير »الخير العام« للوطن، أو بمصير »مصالحه القومية« بين غالب السياسيين، من هنا وهناك معاً، في طرائق تعاملهم مع معظم مشكلات المجتمع والدولة، حيث يغيب (او يغيبون عن قصد) مفهوم »الخير العام للوطن«..!
هذه اللامبالاة، واللامسؤولية، هي التي جعلت هذا الفريق أو ذاك يحولون حياتنا بسجالاتهم الاعلامية - أو بكلامهم المباح الطارد لثقافة أدبيات السياسة - إلى جحيم من فَرطِ تشددهم وتعصبهم لمصالحهم، وأصبحوا إلى حد كبير يحتلون حياة المواطنين الطيبين - أو اللبنانيين الطيبين - وكذلك يحتلون أفكارهم وأرواحهم وصاروا بذلك هم السلطة على ضمائر هؤلاء اللبنانيين الطيبين يحللون ويحرمون في كل شيء بعلم أو بلا علم وهذا هو الغالب في الفضائيات التلفزيونية، حتى أصبح هذا الكلام المباح منتشراً في الشوارع ما وراء حدود لبنان..!
هذا هو الواقع في ضجيج الفكر اليومي اللبناني، خلافات وانقسامات تطورت بالسجالات الاعلامية حتى وصلت الى ذروة الخطر عمودياً وأفقياً، وأصبحت تهدد بكسر وحدة الأمة اللبنانية وسلامتها وأمنها لاعتبارات ذاتية - منها المناطقية والدينية الطائفية والمذهبية - يحاولون فيها ومعها صياغة بطولات، و»مكانة« على أشلاء »وحدة الأمة«، و»سلامة الوطن« و»المواطنين«.
عبر »التباكي اليومي العلني« عن »الرئاسة الأولى«!! وحرمان »المسيحيين« منها!! بواسطة »الضجيج الإعلامي« الظاهري غير الحقيقي اللآمسؤول، كوسيلة إلى »غايتهم الحقيقية« وهي »التواصل مع نسيج الشعب اللبناني، خصوصاً »الفئات المسيحية« وتحديداً »المارونية«، وتحقيق »النجومية التلفازية« أو الصحافية!! دون دراية، أن هذا التسطيح لتطيير الرئاسة الأولى بإنقلابهم السياس على »لبنان الدولة« في شباط ٢٠١٣، جعلهم ويجعلهم من »مشاكل« هذا الوطن »المعقدة«!! التي تشابكت مع »القضايا الإقليمية« وأصبح »الإثنان« واحداً »في كلٍ«..!! في فكر »الإيديولوجيات الدينية - السياسية« الغريبة عن » لبنان - الرسالة الحضارية...
هل نترك الساحة أمام اللامسؤولية الوطنية لتشعل الحرائق والانقسامات والتشرذمات في »الداخل« و»خارج لبنان«..!
أم على اللبنانيين الطيبين مواجهة ذلك والتصدي بقوة القانون على محاولات ومساءلة من يخرج على حدود سيادة القانون؟
حياتنا لا بد أن تخضع لــ»الدولة« و»القانون« ولــ«مشتركات ثقافة الوحدة الوطنية« التي أسس لها اللبنانيون بــ»ميثاقهم الوطني الروحي« عام ١٩٤٣ - غير المكتوب - لأنهم صاغوا بروحهم في ما بينهم والروحانية أو الشرف أقوى من الكتابة، حينما أكدوا معا يداً بيد، وفكراً بفكر، من خلال الرأسمال المدني والرمزي والخبراتي المشترك على العيش معاً في اطار »صيغة لبنان الفريدة« أو »صيغة كلنا للوطن«.
من هنا يستعيد اللبنانيون الطيبون ميراثهم المدني المشترك، ويحاسبون كل من يحرّض بالسجالات الاعلامية على انقسامهم وتمزقهم كل يوم بحجة »التباكي الظاهري« على »الرئاسة الأولى«!
لكن هذا يفترض محاربة ضجيج الفكر اليومي الانطباعي اللامسؤول، والفكر السياسي المتعصّب، لأن كليهما يُشكل أحد أسباب الحرائق السياسية منذ انقلاب شباط ٢٠١٣«..!
والحقيقة ان عدم محاربة هذا الضجيج الاعلامي اللامسؤول أو عدم توقف »الكلام المباح« ضد »الرئاسة الأولى« وهي الجامع لكل اللبنانيين و»رمز الوطن« في الداخل والخارج هو تعطيل لــ»الانتخابات الرئاسة الأولى« وحينما تتعطل هذه الانتخابات يصبح كل شيء مباحاً على أرض »النزاع الداخلي« والتي تعبّد الطرق أمام التدخلات الخارجية »لأن ما يحدث على صعيد أزمة ضجيج الفكر اليومي« يفتح الباب لاستعراض القوة التي يدفع ثمنها في كل لحظة المواطن اللبناني الطيب لصالح مشاريع لــ»أهواء ايديولوجية« غريبة..
وفي هذا السياق نشير إلى أن »ثقافة الوحدة الوطنية التي كانت عبر تاريخ لبنان المعاصر هي الحل الأمثل لجميع مشاكل هذا الوطن لأنها هي »المواطنة« في »اطار الديموقراطية« وهذا ما يجب أن يدفع المتقاتلين اعلامياً وسياسياً - حتى الآن - أن يقطعوا شوطاً كبيراً في نقد أنفسهم لكي يقتنع اللبنانيون الطيبون بأن لدى هؤلاء المتقاتلين »مشروعاً« يتسع للوطن بكل أطيافه، وليس مشروعات تدخل الوطن في »قمقم« تقوقع »الانا النرجسية« و»الاصطفاف الأحادي« لهؤلاء..!
لذلك فإن انتاج »واقع سياسي« جديد ينقل لبنان إلى مرحلة »ثقافة الحوار العقلاني« لن يتحقق إلاّ من خلال »دولة القانون« التي هي مغيّبة مع الرئاسة الأولى« و»الاصطفاف الوطني« في إطار »كلنا للوطن« مع رمز هذا الوطن »الرئاسة الأولى« التي طال »تغيبها«.. في ظل »لا شرعية« الإنقلابيين و»نفاقهم السياسي« الذي ترجموه سياسياً بما أسموه »النأي بالنفس« عن قضايا »الأمة العربية«، وهذا ما أدى إلى هذه الاجراءات الأولية من قبل »السعودية« تجاه لبنان التي أيدتها »الإمارات« و»البحرين«.. ولا ندري أين ستقف هذه الاجراءات.
مع أن »النأي بالنفس« بحسب علم السياسية المعاصر واتفاقيتي »لاهاي« ١٨٩٩ و١٩٠٧ هو »الحياد«، كما تتبعه »سويسرا« مثلاً في كل »القضايا الأوروبية« و»الدولية«، وليس وفق »المزاجية« ساعة تشاء تطبقه، وساعة تشاء »تنأى النفس« عنه...!!!
وصدق »الرئيس العماد ميشال سليمان« بتعليقه على هذه الاجراءات التي تسبّبت بها »سياسة النأي بالنفس« المزاجية، حيث قال: »بدلاً من طمر النفايات أو ترحيلها، نجحنا في طمر مساعدات القوى الأمنية وترحيل الهبات«.. و»كلام الرئيس.. رئيس الكلام«..