يحي جابر
نجت «حكومة المصلحة الوطنية» او «حكومة ربط النزاع» بنفسها وخلصت الى بيان حافظ على «التوازنات» وأبقى الهيكل بعيداً عن السهام.. وذلك على الرغم من المواقف المنتقدة لمضمون البيان، من خارج الافرقاء الممثلين في الحكومة..
الواضح، وبحسب متابعة أدق التفاصيل التي رافقت جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية أول من أمس، ان ليس كل ما يقال في الداخل يعلن، وليس كل ما يعلن في الخارج يقال على طاولة الجلسة.. فلا أفرقاء 14 آذار، ولا أفرقاء 8 آذار، وما بينهما، الممثلين في الحكومة، رأوا مصلحة في دفع الأمور باتجاه المزيد من التصعيد و«اسقاط الهيكل» على رؤوس ساكنيه..
لا أحد ينكر، ان عودة الرئيس سعد الحريري، وقرار المملكة العربية السعودية وقف هبة المساعدات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وتصعيد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ضد السعودية والعديد من دول الخليج العربي، وفرَّ فرصة بالغة الأهمية لاعادة لملمة صفوف 14 آذار بنسبة معقولة جداً، بخلاف وضع قوى 8 آذار التي تحس بالضغوط ولا تملك مفاتيح العبور الى الاستحقاقات الداهمة، وتحديداً انتخاب رئيس للجمهورية، وهي مفاتيح ممسوكة من الحليفين «حزب الله» و«التيار الحر»، بنسبة عالية جداً، وان كان تبني رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، عزز من الحضور المسيحي - الماروني..
تقارب عون - جعجع، لم يسقط، بل لم يلغ خيار «القوات» السياسي الذي يصب في مكان مختلف جداً وبعيداً جداً عن خيارات «حزب الله».. وان كان لايزال، هذا الخيار يشكل نقطة جوهرية في التباين السياسي مع «المستقبل» وبين الرئيس سعد الحريري المتمسك بخيار ترشيحه رئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية، أقله حتى الآن..
يضغط الاستحقاق الرئاسي، ولا يكتم الرئيس الحريري ان أحد أبرز أسباب عودته هو العمل على انهاء الشغور الذي طال، وهو يدعو «حليفه» جعجع لسحب تبنيه ترشيح العماد عون، فلا يجد «حكيم معراب» ما يرد به سوى رمي الكرة في ملعب الحريري ويطالبه بسحب ترشيحه فرنجية، أحد أبرز مكونات 8 آذار، وأحد أبرز الخصوم السياسيين تاريخياً لــ»القوات اللبنانية» والمتمسك بتحالفاته في الداخل وعلى المستوى الاقليمي، وتحديداً مع سوريا..
ليس من شك في ان ما جرى في مجلس الوزراء - وقد وصل بالتفصيل الى السفير السعودي في لبنان علي عوض عسيري، لم يرقَ الى مستوى توفير الطمأنينة، بأن لبنان ما بعد الأزمة مع السعودية، سيكون بخلاف لبنان ما قبلها.. وقد أدرك الجميع خطورة الدعسات الناقصة، كما وخطورة امساك فريق بزمام القرار للدولة اللبنانية، بما لا يتوافق مع مصلحة لبنان واللبنانيين مقيمين ومهاجرين..
«حلفاء ايران» في لبنان وعلى رأسهم حزب الله لن يتركوا القرار بيد «حلفاء السعودية».. وحلفاء السعودية، وعلى رأسهم «المستقبل» لن يتركوا القرار السياسي وغير السياسي للدولة، في يد حلفاء ايران.. وهذه معادلة، ولا شك لم توفر ا»لأجواء والظروف المناسبة والمهيأة لانتخاب رئيس للجمهورية، لاسيما وان الرئيس نبيه بري وحليفه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، يشكلان ثنائيا وازنا في لعبة موازين القوى، وبقدر ما يقترب بري من «حزب الله» في مسائل عديدة، فهو يختلف عنه في خياره الرئاسي، ويشد وجنبلاط على يد الحريري في التمسك بفرنجية..
أخشى ما يخشاه عديدون ان يتحول بيان الحكومة «الجامع والمتوازن» - الذي حرص الرئيس سلام ان يتلوه شخصياً ممهداً لاتصالات خارجية تمهد لزيارة مطلوبة الى السعودية ودول الخليج - الى «اعلان بعبدا» آخر.. بمعزل عن الصياغة الشعرية والقابلة للتأويل.. حيث لم يكن مستغرباً، أنه وبعد دقائق على اعلان سلام البيان، يرد عليه وزير الخارجية جبران باسيل، ويرد سلام على الرد..
واللافت ان ردود الفعل على بيان «الاجماع العربي» الذي وصف به بيان الحكومة لم تلحظ تباينات تذكر.. والذين واكبوا الجلسة من الداخل والصياغة النهائية - التي استهلكت وقتاً طويلاً - ادركوا حجم التباين في المواقف بالتقاطع مع رغبة الابقاء على الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، وهي من دون ان تستقيل تتصرف كحكومة في «موت سريري» او «حكومة تصريف أعمال» في أحسن الأحوال.. وذلك بخلاف البعض ممن حاول ان يصطاد مواقف بالدعوة الى استقالة الحكومة.. وسواء استقالت الحكومة أم تابعت مهماتها ودورها، فلن يغير شيئاً في الاصطفافات الداخلية التي هي في جزء كبير منها انعكاس لاصطفافات خارجية، وتحديداً سعودية - ايرانية.. والتطورات الاقليمية اللافتة خلال الأيام القليلة الماضية، خصوصاً في سوريا، تجعل من الطبيعي ان يحافظ كل فريق على أكبر قدر من أوراق القوة بين يديه، وما عاد لبنان بعيداً عن ذلك..
نظرية «الاجماع»، محض نظرية مطاطة وقابلة للتأويل.. ولا تعني ان كل ما يكتب على الورق يبصر النور، وتجربة «اعلان بعبدا» خير دليل؟! فهل تغير السعودية موقفها؟!