إلى الانقلابيين: إقرأوا بعيونكم ما قاله «الرئيس سليمان» و»النائب فرنجية» عن «الطائف»
يحي احمد الكعكي
لأنك لبناني، كنت بعد «الحرب - القذرة» موضع شك واتهام، في أوروبا وأميركا، سواء أكنت زائراً أو مقيماً، فسهام الارهاب كانت موجهة إليك ظلماً، وأنت المهجّر قسراً من بلدك (أو الهارب من جحيم «الحرب - القذرة»)، وحينما كان المطار يُفتح بعد عام ١٩٨٤، كانت السلطات المختصة في المطارات الأجنبية تعامل طائرات «الميدل ايست» معاملة قاسية جداً، عبر إيقافها في أماكن معينة بعيداً عن باقي الطائرات في المدرجات، ثم تأتي هذه السلطات بالكلاب البوليسية لـ»تشم» الطائرات، و»تشم» أمتعة الراكبين، والراكبين، ثم تنقل حافلات خاصة هؤلاء «الركاب» إلى قاعات مراقبة جوازات السفر..!
هكذا كان اللبناني يُعامل حتى عاد لبنان إلى سويته مع «اتفاق الطائف»... والذي بقي حائراً في صحراء التيه السياسية اللبنانية ينتظر استكمال تطبيق كل بنوده، في سبيل إقامة «دولة القانون» ليس بالكلام وإنما بالعمل، لأن لبنان حتى اليوم لم يخلع عن ذاته لباس «الحرب - القذرة»، وإنما مزق جزءاً من هذا اللباس اللعين، لذلك فعلى «قادة اليوم» مراجعة أقوالهم وأفعالهم لأنهم مازالوا بعد ٢٧ عاماً بعيدين عن «روح الطائف» وأخلاق «ميثاق العيش المشترك»، مازالوا يرفضون الديموقراطية من داخل أنفسهم، وممارساتهم تدل على ذلك، فهم لا يتقبّلون إلا أفكارهم - أي لا يتقبلون الآخر - ولا يطيقون النقد الإيجابي - أو شهادة الحق - ومن يقولها يخوّن ويُدان. لذلك أصبح الوضع في لبنان اليوم - بعد ٢٧ عاماً مرّت على «الحرب القذرة» غاية في الخطورة، فجسم لبنان اليوم، الذي أراده الرئيس العماد «ميشال سليمان» وطناً ثقافته «الوحدة الوطنية»، والحوار السياسي» و»الرسالة الحضارية» بتعدديته الدينية في اطار «الأمة الواحدة» و»المواطنة الواحدة» ولبنان الوطن يقف الآن وبعد «انقلاب شباط ٢٠١٣» ضد المشروع السليماني لبناء «دولة المواطنة الواحدة» يقف على شفا حفرة يعاني من «القلق» و»الحمى» وتشتكي أعضاؤه ولكن ليس تلاحماً كما أراد ان تكون «سليمان الحكيم» منذ ٢٠٠٨ وإنما يعاني تنافراً شديد الحدة أعاد البلاد ٤١ عاماً الى الوراء!
هذه هي حالنا في لبنان، نصف حياتنا خوف وقلق والنصف الآخر ترقب من هاجس اليوم التالي، وأحداث تبدّلت فيها الوجوه خلال ٣٦ عاماً والمضمون المتكتل واحد، وهذا ما نتج منه تحوّل التفكير بـ»العقل» والجدال بـ»التي هي أحسن» إلى التكفير بـ»العقل والحكمة» و»الموعظة الحسنة».
وهذا ما دفع بـ»اللبنانيين الطيبين» إلى التعامل مع أحداث اليوم، بأسلوب عام ١٩٧٥، وهو «قرار الهجرة» إلى «الداخل» أي «الكانتونات الطائفية» وإما إلى الخارج حسب مزاجية تأشيرات دول الخارج، والتي كان بعضها مُتاح على بياض بين ١٩٧٥ - ١٩٧٦ وحتى ١٩٨٣..!
ألا ترحمون لبنان من الخوف والقلق؟ ألا تكفون عن جلده وشعبه الطيب عبر مواجهاتكم الاعلامية؟ والمرحلة الحالية «برميل بارود متفجّر» من التحديات والمعوقات الداخلية والإقليمية والدولية..؟!
لذلك فعلى «الأغلبية الصامتة» وهم «اللبنانيون الطيبون» التخلي عن صمتها في هذه الظروف المصيرية، وعدم ترك الساحة أمام هؤلاء المتقاتلين على «مَنْ يحكم لبنان» لأن الشجاعة ليست في السكوت عن «مؤامرة اغتيال الوطن» لأن السكوت الآن هو تقصير يجعل من الساكتين - أو «الأكثرية الصامتة» شركاء في تخريب الوطن وهذا لم يحدث لـ»لبنان» حتى في أحلك ظروفه في «الزمن الضائع» زمن «الحرب القذرة» ١٩٧٥ - ١٩٨٩..!
من هنا، يمكن قراءة وفهم ما قاله الرئيس العماد «ميشال سليمان» عام ٢٠١٢ الذي أكد على «ضرورة استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده، واعتماد الحوار السبيل الوحيد لمناقشة المواضيع الخلافية» و»تطبيق ميثاق العيش المشترك (...) الذي لا يهدف الى توزيع الحصص بين الطوائف، بل يلقي مسؤوليات جساماً على عاتق هؤلاء المسؤولين والمرجعيات أقلها المشاركة في واجب احترام الدستور، وتطبيق القوانين وتطويرها وعصرنتها، لتنقل وطننا من واقعه الراهن إلى دولة المواطنة»..
تُرى هل وصلت رسالة «سليمان الحكيم» إلى هؤلاء «الإنقلابيين» وهم من نوع «ظلوم جهول»؟ أو أصحاب «العقول الظلامية المغلقة»..! بعد فراغ «الرئاسة الأولى» التي سببها الأول «إنقلابهم المشؤوم في شباط ٢٠١٣ الذي أبعد الموارنة خصوصاً، والمسيحيين عموماً عن «الرئاسة الأولى» وهي «رمز لبنان» الذي غيّبه هؤلاء «الإنقلابيون أو «بعضهم» على «أقل تقدير» و»لايزالون» ولم يستوعبوا ما قاله لهم «سليمان طوني سليمان فرنجية»..!
كل ذلك بهدف إرجاع لبنان إلى «نقطة الصفر» إلى ما قبل ٥-١١-١٩٨٩ حينما انتخب «لبنان الموحّد» عبر نوابه، النائب «رينيه معوض» أول رئيس لـ»الجمهورية الثالثة».. في «مطار القليعات» بعد اختطاف «من هو الآن قائد الانقلاب على القانون الدستوري الصادر في ٢١-٩-١٩٩٠ والذي عُدِّل بموجب الدستور اللبناني من قبل نواب الوطن» مقر مجلس النواب الموقت الذي كان في منطقة «المتحف اللبناني» التابعة له عسكرياً..
وهو الذي قاد انقلاب ٦-١١-١٩٨٩ ضد «لبنان الموحّد» ورفض التعاون مع «الرئاسة الأولى»، و»السلطات الشرعية»، وهذا ما يسمى له اليوم بعد «انقلاب ١٨-٢-٢٠١٣» السياسي، الذي طيّر «الانتخابات النيابية»، ومن ثم «الانتخابات الرئاسية»، وغيّب «الرئاسة الأولى» ليغيّب من ثمّ «رمز وصوت» الوطن، و»الدولة اللبنانية» ككل... وهذا ما حذرنا منه في هذه الزاوية في ١٩-٢-٢٠١٣..!
ومن هنا نقرأ اليوم، تهديد «من يتبعون له» بـ»نصاب الشارع» ضد «النصاب القانوني» داخل «مجلس النواب» لانتخاب رئيس جديد «للجمهورية يعيد «القرار النهائي» لـ»الدولة اللبنانية» المختطف من «الإنقلابيين»..
إذاً «الإنقلابيون» هدفهم الآن العودة بـ»الوطن» إلى ما قبل ٥-١١-١٩٨٩، أي إلى حالة «التمزّق والانقسام» ليحافظوا على «وجودهم السياسي»..!!