الانسـحاب الروسي يسرّع التسوية السورية ويقلب الموازين الاقليميـة… الرهان اللبناني على "السوخوي" يسقط والخيارات التوافقية رئاسيا تتقدم
المركزية- في توقيت مفاجئ مثقل بالدلالات سيّما لتقاطعه مع انطلاق مفاوضات جنيف 3 في شأن مستقبل سوريا، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس بسحب "الجزء الرئيسي" من القوات الروسية من سوريا، معتبرا انها حققت أهدافها بدرجة كبيرة.
قرار سيد الكرملين الذي أرسل مقاتلاته الجوية الى سوريا في أيلول الماضي فلعبت دورا اساسيا في تحقيق القوات الحكومية مكاسب ميدانية في مواجهة المعارضة المسلحة، فرضته عوامل عدة وفق المحللين، أبرزها الكلفة المالية التي يتكبدها الاقتصاد الروسي جراء التدخل العسكري في سوريا، والتي تضاهي كلفته السياسية اذ ساهم في خلق حالة سنية تناصب موسكو العداء، ناهيك عن تعزيزه العزلة الاوروبية لروسيا والتي فرضت اثر ممارسات موسكو في اوكرانيا. ويضاف الى هذا المشهد، استعدادات القوة العسكرية الاسلامية برئاسة السعودية المطّردة بعد انتهاء مناورات رعد الشمال، لدخول الميدان السوري في المرحلة المقبلة واحتمال ان ينتج اشتباكات روسية – عربية يرفضها بوتين. في اختصار، تقول أوساط دبلوماسية عربية لـ"المركزية" ان "القيصر" رأى ان وضعيته في سوريا باتت غير مريحة وبالتالي قرر الانسحاب مكتفيا بتأمينه موقعا تفاوضيا جيدا للرئيس بشار الاسد". واذ تلفت الى ان "الخطوة كانت من دون شك، منسقة مع واشنطن"، متوقفة عند اللقاء الذي سبقها بأيام وجمع العاهل السعودي الملك سلمان ووزير الخارجية الاميركية جون كيري، تشير الاوساط الى "انها ستساهم في دفع مفاوضات السلام السورية قدما وهي تتلاقى مع مساعي القطبين الدوليين لوضع تصورهما للتسوية على السكة قبيل مغادرة الرئيس باراك أوباما البيت الابيض، ذلك أن الرئيس الاميركي الجديد لن يقارب الملف السوري بالاسلوب نفسه، وقد يطيح الجهود الاميركية – الروسية المشتركة لحل النزاعات في الشرق الاوسط.
وتماما كما اعتُبر انطلاق "عاصفة السوخوي" نقطة تحوّل في اللعبة الاقليمية وليس فقط السورية، حيث هلّل له داعمو محور "الممانعة" معتبرين انه نقطة وازنة تُسجّل لصالحهم وترجّح كفتهم في سوريا ولبنان واليمن والعراق، سيترك الانسحاب الروسي، وفق الاوساط، تأثيرات بارزة في اللوحة الاقليمية حيث سيعيد خلط الاوراق وقد يصل الى حدّ قلب الموازين التي كانت تحكم الاوضاع الداخلية في كل دولة. وفي السياق، تشير الى ان الرهانات التي بنيت على "السوخوي" قد تلفظ أنفاسها الاخيرة اليوم، فالدب الروسي حقق من خلال تدخله ومن ثم انسحابه من سوريا مصالحه الخاصة فقط، وبقاء الرئيس الاسد أو رحيله تماما كما انتصار الخط الايراني في المنطقة او هزيمته، ليسا من أولوياته. انطلاقا من هنا، تنتقل الاوساط الى الواقع اللبناني، متوقعة أن نشهد في الايام المقبلة انخفاضا تدريجيا في السقوف السياسية لفريق 8 آذار، معتبرة انه سيمهّد لانسحاب "حزب الله" من الحرب السورية وعودته الى لبنان سيما اذا بقيت الهدنة صامدة وانطلقت الحرب العربية والدولية على "داعش" في الميدان. ولما كان الملف الرئاسي الورقة الاوزن التي يمسك بها "حزب الله"، فيرفض حضور الجلسات الانتخابية رغم ان المرشّحين من فريقه السياسي، معوّلا على قطافها بالشروط الفضلى، عند نضوج التسوية الاقليمية التي ستصب في مصلحته، وفق ما يرى مقربون منه، تقول الاوساط ان شظايا الخطوة الروسية قد تكون أصابت حسابات "الحزب" في الصميم، لتدفعه الى قراءة جديدة للملف، سيتبين له خلالها أن المنطقة ذاهبة الى خيارات تصالحية لا صدامية، ما ينسف فكرة الرئيس – الطرف من أساساتها. وستعوّم رياح الحلول السياسية التي هبّت على المنطقة من البوابة الاميركية – الروسية ونشّطها القرار الروسي الاخير، الطروحَ التوافقية، فتدفع لبنانيا نحو انتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية الحادة، يعتمد "اعلان بعبدا" ومبدأ تحييد لبنان مساراً يسير في هداه في المرحلة المقبلة.