سوريا تواجه ما واجهه لبنان في الطائف: إما القبول بالحل وإما العودة إلى الحرب. إذا كان "حزب الله" هو مشكلة للبنان في الداخل والخارج، فهل يصبح هو الحل والمنقذ؟
اميل خوري
الواقع أن عودة مقاتلي الحزب من سوريا هي بداية الحل في لبنان شرط أن يقرر العودة أيضاً الى لبنانيته كي تكون عودة حميدة ويقتنع بأن لا أحد يحميه سوى لبنان ووحدة الشعب معه.
لذلك يمكن القول إن عودة مقاتلي "حزب الله" من سوريا بسرعة ومن دون انتظار أي حل قبل الحل في لبنان بات لا بد منها خصوصاً بعد انسحاب روسيا عسكرياً منها وهو ما يؤشر الى أن الحل السياسي في سوريا بات الخيار الوحيد وإلا كانت العودة الى حرب طويلة الأمد تدمر ما تبقى منها حجراً وبشراً.
لقد شبّه مسؤول سابق الانسحاب العسكري الروسي من سوريا بالوضع الذي سبق الدعوة الى مؤتمر الطائف عندما خيّر المدعوون اليه بين القبول بصيغة الاتفاق المطروحة على المؤتمر أو تحمّل مسؤولية العودة الى الحرب لم يعد في استطاعة أحد تحمّل عواقبها بعد مرور 15 سنة على بدئها، وما كان فيها غالب ولا مغلوب سوى الشعب بكل فئاته، وهو ما جعل البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير يوافق على الاتفاق رغم ما فيه من شوائب خوفاً من عودة أصوات المدافع. ويواجه الشعب السوري اليوم الخيار نفسه، فإما القبول بصيغة حل سياسي للحرب في سوريا تحظى بموافقة أميركية - روسية وتقيم نظاماً جديداً فيها تتحضر لاقامته حكومة وحدة وطنية، وإما العودة الى حرب تأكل الأخضر واليابس وتحوّل النازحين السوريين الى دول قريبة وبعيدة لاجئين يبحثون عن وطن لهم.
هذه الصورة للمرحلة التي دخلت فيها سوريا تحتم على "حزب الله" إعادة قراءة ما يجري، خصوصاً أن فيه قادة يجيدون القراءة، فيقررون العودة بأسرع وقت ممكن ويكون لهم الفضل في إنقاذ لبنان بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية بالمواصفات ذاتها التي حددها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، أي أن لا يشكل انتخابه كسراً لأحد، وهذا يعني أن لا رئيس من 8 آذار ولا من 14 آذار حتى لو كان المتنافسان على الرئاسة من 8 آذار فقط لأنه أصبح تنافساً ينتهي بغالب ومغلوب اذا لم يتم التوصل الى اتفاق على مرشح واحد يفوز بالتزكية.
إن عودة "حزب الله" من سوريا باتت مهمة ولها ايجابيات كثيرة، عدا أنها تخرج لبنان من أزمة الشغور الرئاسي وقد باتت مؤذية ومضرة به وباللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، كي يتم تشكيل أول حكومة تؤكد في بيانها الوزاري سياسة "النأي بالنفس" المترجمة لبنود "اعلان بعبدا". فتحييد لبنان أمسى هو الحل بين من يريد أن يكون مع هذا المحور ومن يريد أن يكون مع ذاك، فيقع الانقسام الحاد بين اللبنانيين وقادتهم ويدفعون هم ثمن هذا الانقسام من استقلالهم وسيادتهم وحريتهم واقتصادهم.
إن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لاعتماد سياسة تحييد لبنان عن صراعات كل المحاور وتطبيق اللامركزية الادارية الواسعة التي تضع حداً للصراع على السلطة المركزية، خصوصاً مع وجود تفاهم أميركي - روسي على إقامة شرق أوسط جديد على أساس أنظمة تلائم المستجدات داخل كل دولة. وهذا التفاهم يشمل لبنان بصورة خاصة وهو مؤيد لـ"اعلان بعبدا"، وقد عبَّر عن ذلك غير مسؤول، فالرئيس الأميركي باراك أوباما أبرق الى الرئيس ميشال سليمان لمناسبة انتهاء ولايته الرئاسية قائلاً: "إن اعلان بعبدا إرث بالغ الأهمية للأجيال المقبلة المدعوة الى تفعيله من أجل دعم الدولة والحفاظ على استقلالها". وقول السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل: "إن استقرار لبنان هو في التزام اعلان بعبدا والقرار 1701". وقول السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين: "إن اعلان بعبدا ينبغي أن يلتزم الجميع تطبيقه، فتحييد لبنان هو قوة له". وطالب المطارنة الموارنة مراراً باتباع "سياسة الحياد الايجابي لأن لبنان لا يستطيع الدخول في أحلاف أو محاور، وتحييده هو العلاج لبلد صغير تفجّر مراراً كلما حاول الاصطفاف أو الدخول في لعبة المحاور، فبات الحوار حاجة وضرورة قصوى، وهذا ما انتهت إليه دول صغيرة محاطة بدول كبيرة. وتحييد لبنان فرصة سانحة لكل القادة ويجب ترجمته بخطوات تنفيذية وبوحدة تنقذه من خطر التفتيت وتبقيه بلد التنوّع والحوار".