عيسى يعقوب
بداية أحب القول بأنه من الخطأ اعتبار القضية الفلسطينية بأنها قضية الفلسطينين فقط وإنما يجب أن تكون قضية العالم أجمع، مع إنني متأكد وعلى أتم اليقين أنه لا يختلف إثنان على أن هذه القضية تعد أكثر قضية سياسية وإنسانية شغلت العالم منذ مئة سنة، وربما تكون من أهم القضايا السياسية على الإطلاق على المستوى الإنساني لاستثنائيتها من حيث أن هناك شعباً تم تهجيره وأصبح بمعظمه لاجئاً، وأن هناك أرضاً تم احتلالها بنيّة أبدية من قبل المحتل،..
مناسبة كلامي هذا هو استذكاري لكلمة ألقاها الصديق الكبير الذي أفتخر بصداقته العماد ميشال سليمان رئيس جمهورية لبنان السابق،.. تلك الكلمة التي ألقاها بحضور بابا الفاتيكان عند زيارته لدولة لبنان الشقيق، حيث سلط فيها الضوء على القضية الفلسطينية بشكل عام وعلى معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة مسألة الشتات التي تسمى بقضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، حيث أشار في تلك الكلمة إلى أنه من تداعيات الظلم الذي حلّ في فلسطين عام 1948 ومظاهره وجود أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية، تسعى الدولة اللبنانية بالتنسيق مع وكالة الأونروا، لتأمين احتياجاتهم الحياتية الأساسية من ضمن القدرات….
وأردف بكلام على غاية من الأهمية حيث أكد بأن رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد الإنساني مسؤولية دولية قبل كل شيء، وشدد في سياق كلمته على ضرورة إيجاد حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط يضمن حقهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية،..
وبالطبع لا يخفى على الحاذق واللبيب أنه بهذا الكلام قد سجل من موقعه في ذلك الحين ضمن الإطار السياسي اللبناني الرسمي موقفاً واضحاً وصلباً يحسب له وبالتالي يشكر عليه، حيث ربط حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم الأصلية، رافضاً رفضاً تاماً ومطلقاً لأية محاولة تعمل على إسقاط حق العودة، والشيء الأهم الذي يستحق الشكر عليه هو أنه قد توقف عند قضية فلسطين واللاجئين أمام حدث سياسي وديني بامتياز، وهي زيارة البابا إلى لبنان، ولا يختلف إثنان على أنه حدث كبير من حيث أن الضيف كبير،…
ولا يخفى أيضاً على المتأمل لهذا الفعل اللافت بأنه إضافة لكونه قد أثبت قدرته السياسية على اقتناص الفرصة المناسبة للحديث، أثبت بشكل مباشر أنه إنسان صادق في تناوله للقضية الفلسطينية من حيث أنه قد اختار مناسبة يمكن أن تشكل بشكل أو بآخر صدى ذا فاعلية كبيرة على مستوى العالم، وبهذا لا يمكن إجمال موقفه هذا ضمن إطار التصريحات السياسية العابرة التي يتم النظر إليها على أنها من باب تسجيل موقف…
ومن حيث أن مقالتي هذه أردت فيها الإشادة بموقفه معنا كشعب فلسطيني ربما تكون أيضاً مناسبة جيدة للتطرق إلى شيء من سيرته الذاتية على سبيل التذكير، فالعماد ميشال سليمان قبل أن يستلم منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية في عام 2008 كان يتولى قيادة الجيش اللبناني، ومسيرته العسكرية تؤكد كم هو شخص وطني ومناضل، حيث بدأ عمله بالسلك العسكري بعام 1967 عندما تطوع في المدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط، وتخرج منها بعام 1970 برتبة ملازم، وتدرج في خدمته العسكرية من آمر فصيلة مشاة، إلى قائد كتيبة، إلى مدرب في المدرسة الحربية. وفي 4 ديسمبر 1990 تولى رئاسة فرع مخابرات جبل لبنان، واستمر بتولي هذه المهمة حتى 24 أغسطس 1991.
وبالفترة من 25 أغسطس 1991 إلى 10 يونيو 1993 عين أمينًا للأركان، ومن 11 يونيو 1993 ولغاية 15 يناير 1996 عين قائدًا للواء المشاة الحادي عشر. وفي 15 يناير 1996 رقي إلى رتبة عميد وعين قائدًا للواء المشاة السادس. وفي 21 ديسمبر 1998 رقي إلى رتبة عماد وعين قائدًا للجيش، واستمر بتولى القيادة إلى 24 مايو 2008 عندما أحيل إلى التقاعد بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، وإن أهم أعماله أثناء قيادته للجيش، استكمال وإعادة تنظيم هيكلية الجيش اللبناني بعد تعديل قانون خدمة العلم، كما كشف منظمات إرهابية متطرفة في جرود الشمال مطلع سنه 2000 وقام بالقضاء على معظم أفرادها إضافة إلى تفكيك الخلايا المرتبطة بها في المناطق كافة وتوقيف عناصرها،.. إضافة لأعمال أخرى كثيرة. علماً أنه خاض العديد من الدورات التدريبية وحاز على الكثير من الأوسمة…
وفي ختام مقالتي هذه أريد أن أقول بأن هذا الإنسان المناضل وكرمى لكل ما فعله ويفعله من أجل فلسطين قدمت له من موقعي كرئيس مركز القدس للفنون والإعلام درع “القدس العاصمة الأبدية لفلسطين” وقد استقبلني حين زرته في مكتبه استقبالاً عظيماً، وأكد لي في ذلك اللقاء دعمه الكامل للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل الأمة وليس للفلسطينيين فقط…
والحق يقال إنه هذا الإنسان المناضل ومن خلال متابعتي لكل ما يخص فلسطين لا يقصر أبداً في أن يدعم معنوياً ومادياً أي أمر يخص فلسطين والقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وإنني كفنان فلسطيني وكإعلامي فلسطيني وكمواطن فلسطيني أحييه من أعماق روحي على نبله العظيم في التعامل مع قضيتنا العادلة وحقوقنا المشروعة، وأؤكد له ولغيره من الصادقين مع قضيتنا والداعمين لها أننا نحن الفلسطينيون شعب أصيل نحفظ الود لمن يحفظ لنا الود.