24 حزيران 2016
حصانة للحكومة من الخارج في غياب البديل والخشية من إرساء تقاسم السلطة بدون رئيس
روزانا بومنصف 

من المفارقات اللافتة أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون، على أثر اجتماعه مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومناقشتهما جملة مسائل في المنطقة، الى "أقصى دعم للحكومة اللبنانية"، جنبا الى جنب مع دعوته الى حل الموضوع العالق طويلا والمتعلق بالشغور الرئاسي في البلاد، "في خضم تكرار رئيس الحكومة تمام سلام يأسه وانزعاجه مما سبق أن اعلنه حول تحول "حكومتنا حكومة الفشل والفساد"، وصولا الى التشهير بها على ألسنة قوى مشاركة فيها. وقد لا يكون موقف بان مؤثرا جدا، شأن العواصم المؤثرة، لكنه يعكس موقفا دوليا باستمرار دعم ما هو موجود، ما دام البديل غير متاح، بحيث يؤمن الخارج الحصانة للحكومة المتهالكة والفاشلة محليا بإقرار رئيسها تمام سلام الذي يرى بوضوح ماهية وضعها، ويعاني من دون قدرة على اي خطوة بديلة. والواقع أن الخارج يمنح الحكومة الحصانة نظرا الى الحاجة الماسة الى استمرار ما هو قائم في لبنان راهنا، أيا يكن، باستقراره النسبي أو الهش، وعدم نسفه بحيث يضطر الخارج الى التدخل بإلحاح من أجل المساعدة في انتقال البلد الى مكان آخر، فيما الخارج منشغل بأمور أكثر الحاحا وأهمية. ولا يعاني غالبية الأفرقاء السياسيين انزعاجا ملموسا من استمرار الواقع الحكومي على حاله، من دون انتخاب ئيس جديد للجمهورية، خصوصا في ظل إدارة البلاد عبر مجلس سياسي طائفي يكاد يرضي الجميع وتخشى مصادر سياسية أن يكون الرضى الطوعي بتقاسم السلطة وادارة البلد على هذا النحو، انزلاقا خطيرا نحو تغيير يرفض سياسيون كثر حتى الآن مقاربته أو الاعتقاد بأنه قد يكون احتمالا واردا، اي ان يرسو الواقع السياسي في البلد على ما اعتاده اللبنانيون، في الوقت الذي تم تهميش موقع رئاسة الجمهورية والاستغناء عنها لأكثر من سنتين حتى الآن. فمع أن ثمة شائعات ترسم سيناريوات متفائلة بقرب انتخاب العماد ميشال عون رئيسا وانتقاله الى بعبدا على وجه السرعة، فإن المصادر المعنية تخشى أن يكون الوضع غدا أكثر صعوبة من اي وقت مضى، قياسا اولا الى سيناريوات تفترض هذا الاحتمال، اي وصول عون، مع تساؤلات كبيرة عما يمكن أن يؤدي اليه انتخابه في حال حصوله، وهل يريح البلد أم لا، اذا اخذ في الاعتبار على سبيل المثال لا الحصر ليس التسليم كليا بالخيار الذي اراده الحزب في ظل صراع اقليمي حاد، بل كل من ازمة القطاع المصرفي مع "حزب الله" في الاسابيع الاخيرة، وكذلك الازمة مع دول الخليج في ضوء تصعيد الحزب على خلفية انخراطه في شؤون المنطقة ووقوع المرشحين الرئاسيين في حرج فعلي نتيجة اضطرارهما الى الابتعاد عن خوض غمار الدفاع عن الحزب او امكان اعتماد سياسة مختلفة او مناهضة له. لكن استبعاد هذا الاحتمال لا يفضي في المقابل الى الاعتقاد أن انتخاب رئيس يشبه الرئيس ميشال سليمان لا يزال احتمالا واردا، أقله بالنسبة الى ما بات معروفا من رفض قاطع للحزب.

هذه السيناريوات التي غدت مستهلكة لكثرة تكرارها والرهان عليها، باتت تفسح المجال امام الاعتقاد ان لبنان الغارق في أزماته الخاصة من دون الالتفات الى ما يجري في المنطقة، أو من دون أخذ ما يجري في الاعتبار، يهمل مسؤولوه من حيث شاؤوا أو لم يشاؤوا ما يحدث في تفاصيل المفاوضات حول اليمن مثلا، والتي تشبه الى حد كبير محاولات لطائف او دوحة بين اليمنيين، على قاعدة عبارات مماثلة لتلك التي يشهدها لبنان، أي الشراكة والحقوق وما الذي يمكن ان يقتنصه كل فريق من مكاسب بناء على إنجازاته او اوراقه على الارض. فثمة ما يتم إرساؤه كقاعدة تشاركية قد لا تصح كليا على لبنان، لكن هذا الاخير يعيش ازمة مماثلة انما من دون حروب اهلية معلنة على الارض.

ويعزز الاعتقاد بمدى تعرض هذه السيناريوات للاستهلاك المتعب، ما يجري على اكثر من صعيد في المنطقة. إذ يبني بعض المصادر السياسية اعتقادا قويا على ان الاشهر المقبلة في المنطقة ستشهد سباقا محموما على تعزيز الاوراق والمواقع على خلفية محاولة اقتناص ما يمكن اقتناصه من ضمن هذا الاطار، قبل وصول رئيس جديد في اميركا، وتاليا السعي الى الحصول على ما امكن من اوراق في عهد الرئيس الحالي باراك اوباما، او انجاز ما يمكن انجازه شأن ما فعلت ايران بالنسبة الى مسارعتها الى انجاز الاتفاق النووي مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا قبل عام. يسري ذلك على روسيا في الدرجة الاولى، انطلاقا من ان التحدي الذي يمكن ان تواجهه هو المدى الذي ستسمح به الادارة الاميركية الجديدة للنفوذ الروسي في المنطقة استنادا الى المعطيات التي تفيد أن التململ الذي سجلته مذكرة ديبلوماسية اميركية وقعها اكثر من خمسين ديبلوماسيا وموظفا في الخارجية الاميركية، والتي دانتها موسكو- علما ان هذه المذكرة هي حركة اعتراضية اميركية داخلية- قد يؤشر لحتمية اخذ الادارة الاميركية المقبلة خصوصا اذا انتهت الى المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، مسارا مختلفا عن ذلك الذي اعتمده الرئيس اوباما من ترك روسيا ترسم حدود الهامش الذي ترغب فيه في المنطقة. وينسحب الامر على كل من ايران في سوريا وفي مواقع اخرى في المنطقة، كما هي الحال بالنسبة الى دول الخليج والدول الاقليمية.

تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة