كلمة الرئيس ميشال سليمان خلال تكريم متخرجي الجامعة الأميركية في بيروت
في خضم التحولات الكبرى التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، تبقى المواطنة صمام الامان في استقرار الدول للحؤول دون انهيار الكيانات والقيم.
هذه المواطنة تبنى بصورة عامة في اكثر الدول بالإضافة الى التربية العائلية، في الجيش الوطني وفي الجامعات الوطنية.
ولا بد هنا ان نشير الى الجامعة الأميركية في لبنان التي تأسست عام 1866 وكان لها الدور المركزي في تربية الاجيال والكوادر وتأهيلهم للاخراط بالمجتمع والوطن والانطلاق بثقة وحيوية نحو الانتشار
ونحن اليوم في هذه العشية، غداة عيد الفطر السعيد الذي تمنيناه آمناً، نكرم مع "رابطة الخريجين" بعض من السيدات والسادة الذين وضعوا بصمات خير وعلم وثقافة وتربية مدنية ومواطنة، في مؤسسات متنوعة واجيال متعاقبة.
هذه الشريحة النخبوية، استطاعت في سلوكها العام ومواقفها المشرفة، التناغم حد الالتحام مع رجالات المؤسسة العسكرية، ما ساهم بشكل مفصلي في حفظ الوطن عبر تأمين المظلة المجتمعية الآمنة، في حين تجتاح العالم والاقليم حرب باردة وغيرها ساخنة.
كما نجحت هذه النخب الفكرية بشكلٍ ملحوظ، في تأطير الذات البشرية لمواجهة رياح العولمة التي لفحت الكرة الارضية قاطبةً، كنتيجة حتمية للثورة الصناعية الرابعة المسماة الثورة الرقمية Digital، والتي للأسف، تزامنت مع نزعات التطرف والارهاب والعنصرية والانعزال أو ساهمت في انتشارها، كمقدمة لحالات تفكك خطير.
هذه التحولات التي انتجت الاضطرابات والحروب الدامية في المنطقة العربية، لم تصب لبنان مقتلاً، بعد ان ظهرت فيه عناصر القوة كمرتكز أساس لبناء دولة قوية لا تتأثر بالعواطف.
وعلى الرغم من مكمن الضعف الرئيسي في النظام السياسي القائم، والذي ادى الى تعثر في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية وشلّ انتظام عمل المؤسسات، اظهر الشعب اللبناني تمسكه بالعقد الاجتماعي المبني على المشاركة، كما برهنت القوى الامنية كافة، عن جدارة عالية وإرادة صلبة وتماسك مقبول، في محاربة الارهاب وحماية النظامين المالي والمصرفي، كما الاقتصاد، من الانهيار، بالتعاون مع مجموعات الانتشار اللبناني في الخارج.
هذه الدولة المنشودة يجب ان تعطي الاولوية لثلاث وظائف هي: الديموقراطية، التنمية والحوار، المعروفة بالـ 3D، أي (Democracy, Development, Dialogue). كما عليها ان تمارس الحوكمة الرشيدة عن طريق اتباع ثلاث مبادئ هي اللامركزية، المشاركة والاتصال " Communication ".
هكذا يمكن ان نؤسس لمستقبل أفضل لوطن الرسالة الذي يحظى بدعم دولي بعد عمليات الفرز العرقي والطائفي والمذهبي وحملات التهجير القسري التي ضربت الدول المحيطة.
وعلينا في هذا السبيل استكمال تطبيق الدستور والطائف، وتحصين هذا الأخير بتطبيق البنود الواردة في وثيقة "إعلان بعبدا" لضمان تحييد لبنان عن الصرعات الاقليمية وسد الثغرات الدستورية لتلافي التعثر السياسي والإنمائي، لحماية لبنان من وحش التقسيم والتفتيت الذي يضرب عالمنا العربي ويقترب من الجغرافيا اللبنانية مدعّماً بالحديد والنار.
وعليه، لا بدّ لجميع القوى اللبنانية ان تقرأ خطورة ما يجري من حولنا، وتبني على الخطر مقتضاه.
عشتم عاش لبنان