اميل خوري
حسناً فعلت بكركي برفضها وضع شروط مسبقة على رئيس الجمهورية "لكي يكون الرئيس الحكم وحراً من كل قيد، لا الرئيس الطرف ولا الصوري". لكنها كانت فعلت أحسن لو أنها أضاءت على الأسباب التي أدت الى وضع هذه الشروط ليكتمل عندئذ رفع موقفها الوطني الى مستوى "نداء". ومن هذه الأسباب أن يعطي النائب لنفسه حق التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية حتى من دون عذر مشروع. فهذا التغيب هو الذي عطّل انتخاب العماد ميشال سليمان في الماضي مدة ستة أشهر وفرض على القادة في لبنان الذهاب الى مؤتمر الدوحة للموافقة على اتفاق مخالف للدستور، وربط انتخاب الرئيس بالاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت في تشكيلها حصة كل حزب وتكتل من مقاعد وزارية وحقائب، واعتماد قانون الستين معدلاً لاجراء انتخابات نيابية على أساسه، وحصر السلاح في يد الدولة، فصار تنفيذ هذا الاتفاق جزئياً ولفترة قصيرة لأن الأحزاب التي عطلت الانتخابات الرئاسية هي التي خالفت "اتفاق الدوحة" ورمت البلاد في أزمة وزارية ولم يتم التوصل الى الخروج منها إلا بعد مرور سنة تقريباً، وهي التي تعطل الانتخابات الرئاسية اليوم.
لذلك كان لبكركي أن تضمّن نداءها المطالبة بحسم الخلاف حول حق النائب في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية حتى من دون عذر مشروع، لأن ما أدى الى "اتفاق الدوحة" والآن الى طاولة الحوار وإلى "السلة المتكاملة" هو هذا التعطيل الذي قد يتكرر في كل استحقاق فيفرض عندئذ "اتفاق دوحة" هنا أو هناك، وربط انتخاب الرئيس بالتوصل الى اتفاق على مواضيع لرئيس الجمهورية رأي فيها، حتى اذا تعذّر التوصل الى اتفاق حولها تبقى رئاسة الجمهورية شاغرة الى أجل غير معروف وهو الحاصل حالياً.
لذا كان من المهم تضمين "نداء" بكركي وجوب حسم موضوع تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كي لا يبقى ذلك ورقة ضغط ومساومة وابتزاز في يد حزب أو طائفة أو خارج، وإدخال انتخابات رئاسة الجمهورية في بازار التسويات والمساومات بالاتفاق المسبق على أسماء الوزراء والحقائب وعلى قانون جديد للانتخاب، وهو اتفاق قد يكون التوصل اليه أسهل بوجود الرئيس، خصوصاً أن هذه المواضيع تدخل ضمن صلاحياته ولا يجوز انتزاعها منه بدون وجه حق.
الواقع أن ترك موضوع تغيّب النائب عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون حسم الخلاف حوله قد يجر الى التغيب عن جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب أيضاً، ولن تنفع عندئذ النداءات لايقاظ ضمائر المسؤولين والنواب عندما لا تعود موجودة في لبنان بل في مكان آخر... فلنكفّ إذاً عن إضاعة الوقت في معالجة النتائج من دون إزالة الأسباب فيكون ذلك أشبه بمن يتسلّى بسحب المياه من البركة وترك الحنفية مفتوحة.
والحنفية هي ترك النائب يتغيب عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون عذر مشروع ليجعل انتخابه مرتبطاً باتفاقات وتفاهمات تجرّد الرئيس مما تبقى له من صلاحيات.
لقد عارض أكثر من رجل قانون حق النائب في التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. فقال الوزير السابق الدكتور خالد قباني في تداعيات شغور موقع رئاسة الجمهورية: "ليس موقع ودور رئيس الجمهورية في الدستور وفي الحياة السياسية والوطنية أمراً عابراً أو ثانوياً. إنه موقع أساسي ومحوري في إدارة الحكم وتوجيهه، وفي استقرار البلاد والحفاظ على استمرار عمل المؤسسات والسهر على تطبيق الدستور باعتباره يلعب دور الحكم في النظام السياسي البرلماني الذي يقوم على التنافس بين قوى سياسية تتصارع على السلطة وعلى قيادة الحكم في البلاد، فيشكل الرئيس صمام الأمان والضابط للحياة السياسية والمرجع الدستوري والوطني لما يمكن أن ينتج من صراعات ونزاعات بين هذه القوى من شأنها أن تؤثر على حالة الاستقرار في البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وتهدد السلم الأهلي". ويؤكد قباني "ان الدستور اذا كان قد ترك للنائب حرية اختيار من يراه مناسباً لرئاسة الجمهورية، فإنه لم يترك له حرية الخيار في حضور جلسة الانتخاب لحسابات خاصة ومصالح شخصية أو حزبية، لأن ذلك يشكل مخالفة دستورية خطيرة وينزع عنه وكالته الانتخابية بل شرعية وجوده كممثل للشعب، فضلاً عن تعطيل عمل المؤسسات".
المطلوب إذاً حسم الخلاف حول الزامية حضور النائب جلسة انتخاب الرئيس، وإلا ظل أعلى منصب في الدولة معرضاً كل مرة للشغور وتداعياته.