"إعلان بعبدا" في مضامين خطابَي عون؟ شكوك واسعة في القدرة على تحييد لبنان
في غمرة التركيز السياسي والاعلامي على رصد اللقاءات الجانبية في قصر بعبدا والإيحاءات الشكلية التي تعكس العلاقات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري باعتبارها البوصلة التي تؤشر الى تعقيدات عملية تأليف الحكومة الجديدة بدا لافتا ان مضامين الكلمة التي وجهها الرئيس عون عشية عيد الاستقلال لم تنل الاهتمام السياسي الكافي لا سيما لجهة الجانب المتصل بدعوته الى الامتناع عن اللجوء الى الخارج واستجداء ضغوطه لتحقيق مصالح خاصة داخلية. والواقع ان هذه النقطة حصرا تبدو عرضة لتساؤلات كثيرة تطرحها جهات عدة من منطلق اعتقادها ان السياسات العربية والاقليمية للعهد الجديد ستكون احدى اكبر التحديات التي يواجهها والتي تلعب دورا موازيا في تأثيراته وتداعياته لسياساته الداخلية على مسار العهد ولبنان في ظله. ومع انه لا يمكن رسم صورة دقيقة لهذا المسار قبل تشكيل الحكومة الجديدة واتضاح بيانها الوزاري وتلمس ما اذا كان ممكنا اجتراح سياسات واقعية توفق بين اتجاهات عبر عنها خطاب القسم لرئيس الجمهورية ورسالته الاستقلالية الاولى لجهة تجنيب لبنان تداعيات الحروب والصراعات الاقليمية فان هذه الجهات لا تتمالك عن اثارة الشكوك في قدرة العهد والحكومة الجديدة على تحييد لبنان فعلا وواقعيا عن هذه التداعيات اذا قيس مستقبل مسار العهد والحكومة بمجريات التعقيدات الجارية حاليا لتأليف الحكومة وما يرافقها من تطورات على جوانبها.
ذلك ان هذه الجهات السياسية تنظر بارتياح واضح الى إعلانات المبادئ التي أطلقها الرئيس عون حيال تجنيب لبنان تداعيات الصراعات الاقليمية والأصداء التي تركتها داخليا وخارجيا اقله في المرحلة الحالية. وتعتبر ان هذه التوجهات هي اقرب ما تكون في محتواها الضمني من " اعلان بعبدا " الشهير الذي صدر في عهد سلفه الرئيس ميشال سليمان والذي صار مستندا ثابتا لدى الامم المتحدة والمجتمع الدولي يجري التذكير به والتشديد على تنفيذه والتزامه في كل مناسبة تطل بها الامم المتحدة على الواقع اللبناني. ولا تستبعد هذه الجهات ان يكون الرئيس عون، وعلى رغم ما كانت عليه سياساته المخالفة والمعاكسة قبل انتخابه رئيسا للجمهورية للسياسات التي دفعت بعهد سلفه الرئيس ميشال سليمان الى التمسك ب"اعلان بعبدا"، يعطي ضمنا الإشارات الى هذا المجمتع الدولي عن اتجاه عهده الى التزام تحييد لبنان عن تداعيات الحروب الاقليمية في وقت تسجل طلائع هذا العهد ملامح انفتاح واضحة على الدول المنخرطة في صراعات المنطقة بطريقة متوازنة. اذ ان الاسابيع التي اعقبت انتخاب عون رئيسا للجمهورية شهدت ولا تزال تشهد توافد موفدين ترسم زياراتهم لبيروت لوحة التناقضات الكبيرة التي يجد العهد نفسه امام موجبات الاختبار الاشد حساسية في ابتداع استراتيجية خاصة به للتوفيق بين توظيف الانفتاح ومسح أخطاء الماضي القريب جدا في ازالة تداعيات التورطات في سياسات محورية حادة بغية اقناع الدول الاقليمية والاسرة الدولية بقدراته على التزام سياسات حياد مستقلة مع الحفاظ على انتماء لبنان الى بيئته العربية. هذه الالتزامات بدأت تواجه اختبارها بقوة من اللحظة الاولى التي سارع فيها النظام السوري الى ايفاد موفده الى قصر بعبدا في اليوم نفسه الذي حط فيه في بيروت وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ايضا. ومن ثم تلقى الرئيس عون احتضانا غير متوقع بهذه السرعة من المملكة العربية السعودية توج بزيارة الموفد الملكي الامير خالد الفيصل ناقلا دعوة رسمية اليه لزيارة المملكة كأول محطة عربية له ، كما أعقبتها زيارة وزير الخارجية القطري موفدا من أمير قطر.
في موازاة هذا الجانب الديبلوماسي الحار والمتفاعل بقوة مع حدث الانتقال اللبناني والذي يضع الرئيس عون امام تقاطعات التحدي في ابتداع استراتيجية خارجية لا بد ان تلتزم تنفيذ ما يتعهد به كلاميا تتساءل الجهات نفسها بكثير من الفضول: هل ستكون ثمة قدرة للحكومة الجديدة على وضع أسس لسياسات متغيرة في النأي الفعلي بلبنان عن تداعيات الانخراط والتورط في الحرب السورية تحديدا وسائر حروب الإقليم فيما لا تزال صورة العرض العسكري الضخم لـ"حزب الله" في منطقة القصير السورية قبل اسبوعين ماثلة امام أنظار الرأي العام الداخلي والخارجي بكل رسائلها الى الداخل والخارج ؟ ولعل ما يضاعف الشكوك المبكرة في هذا السياق هو ما تلفت اليه هذه الجهات لناحية توزيع شريط مصور جديد عن عرض " حزب الله " في القصير اظهر مزيدا من الأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ الثقيلة والمتطورة وذلك في يوم احياء لبنان عيد الاستقلال تحديدا. وتبعا لمجمل هذه المعطيات الصارخة في تناقضاتها لا تتردد الجهات نفسها في ابداء شكوكها العميقة المسبقة حيال القدرات الفعلية والواقعية للعهد ولحكومته الاولى المتعثرة في الولادة في التوفيق بين بعض إعلانات المبادئ الإيجابية والمضامين الحقيقية لها من جهة والقدرة على التخلص من تبعات أحلاف وسياسات وممارسات لا تزال ترسخ صورة لبنان في واقع التفلت من كل ضوابط القدرة على استعادة أحادية السلطة.