لا اتفاق على "الاستراتيجيّة" وفي سوريا حرب ولا انسحاب لـ"حزب الله" منها إلّا بعد انتهائها
اميل خوري
يبدو أن الظرف السياسي والأمني لا يزال غير ملائم للبحث في مصير سلاح "حزب الله"، وإلّا لما كان الرئيس سعد الحريري ردَّ على المتكلّمين في جلسة الثقة بالحكومة بقوله: "هناك قضايا خلافيّة ما زالت لدينا في البلد مثل موضوع السلاح، حيث أن توافق الحد الأدنى يقول إن هذا الموضوع متروك للاستراتيجيّة الدفاعيّة. والحكومة كانت واضحة في بيانها الوزاري وقد وضعته في هذا الإطار لأننا نعلم أن هناك خلافاً على هذا البند، وقلنا بكل هدوء إن هناك استراتيجية دفاعية يجب أن نجلس ونتحاور في هذا الموضوع". أليس هذا معناه أن حسم الخلاف حول موضوع سلاح "حزب الله" مؤجل الى حين الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية، وقد لا يكون اتفاق عليها إلّا عند انتهاء الحرب في سوريا لأن هذه الحرب هي التي حالت وتحول دون الاتفاق على أي استراتيجية تضبط استخدام سلاح الحزب لا في جلسات هيئة الحوار الوطني ولا في جلسات مجلس الوزراء ما دام له دور إقليمي.
فحرب تموز بين اسرائيل و"حزب الله" كانت بقرار إيراني بدليل أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بشّر بعد إحدى جلسات هيئة الحوار الوطني بموسم صيف مزدهر، وإذ العكس هو الذي حصل. وتدخّل هذا السلاح في الحرب السورية كان أيضاً بقرار إيراني، بدليل أن الحزب كان قد وافق على البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي دعا الى اعتماد سياسة "النأي بالنفس". لكن النظام في سوريا الذي كاد أن يقترب من السقوط كان أهم بكثير لإيران من التزام هذه السياسة. لذلك يمكن القول إنه ما دامت الحرب مستعرة في سوريا فإن "حزب الله" سيظل مشاركاً فيها ولن يستجيب لأي قرار بالانسحاب منها إلا إذا صدر عن ايران، وقد لا يصدر عنها إلا بعد توقفها نهائياً وربما الى حين يتم التوصل الى حل شامل للوضع في سوريا. وفي انتظار حصول ذلك يصبح الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية ممكناً، وقد لا تعود ثمة حاجة اليها عندما لا يعود لسلاح الحزب دور إقليمي، وأي دور له داخلي مرفوض في ظل الدولة اللبنانية القوية والقادرة.
الواقع أن سلاح "حزب الله"لو كان خاضعاً لقرار الحزب وحده لكان وافق على الاستراتيجية الدفاعية التي اقترحها الرئيس ميشال سليمان، وكانت صيغتها متوازنة وتشكل حلاً وطنياً معقولاً من شأنه المحافظة على الاستقرار وعلى الوحدة الوطنية، وتنص على الآتي:
1 – تنفيذ القرار المتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها وعلى قاعدة إنهائه في الخارج ومعالجته في الداخل.
2 – البحث إيجابياً في كيفية الافادة من سلاح المقاومة للدفاع عن لبنان عبر اجراءات عملية تتم بالتوافق، وذلك بالاجابة عن الاسئلة الآتية: كيف يستخدم السلام ومتى وأين ولماذا؟ وان الأجوبة عن هذه الأسئلة تظهر من خلال اجراءات تنفيذية تتم بالتوافق والتفاهم. أمّا السلاح غير المندرج في الاستراتيجية الدفاعية والمنتشر في القرى والبلدات فيتم نزعه.
إن هذه الاستراتيجية الدفاعية المتوازنة التي اقترحها الرئيس سليمان بعد فشل المتحاورين في التوصل الى اتفاق على استراتيجية تكون مدخلاً للعودة الى طاولة الحوار لم تلقَ يومئذ القبول لأن "حزب الله" لا يقبل بأي صيغة لاستراتيجية دفاعية تقيّد حرية استخدام سلاحه في الزمان وفي المكان اللذين يحددهما أو تحددهما له إيران، وان الحزب لن ينسحب من الحرب السورية إلا عندما تعطيه إيران أمراً بذلك، خصوصاً أن السيد نصرالله لم يعتبر معركة حلب نهاية الحرب في سوريا إنّما اعتبرها "إحدى الهزائم الكبرى للمشروع الآخر وانتصاراً كبيراً للجبهة المدافعة والمواجهة للارهاب، وهذا تطور كبير للجبهة على المستوى العسكري والسياسي بحيث يمكن القول بعد الانتصار في حلب أن هدف اسقاط النظام سقط وفشل، لكن لا بد من الحفاظ على هذا الانتصار وحماية حلب من أي هجمات ستحصل وتثبيته وترسيخه ليبنى عليه ميدانياً وسياسياً، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة أمام أي حل سياسي".
استناداً الى ذلك، يمكن القول إن "حزب الله" لن يسحب مقاتليه من سوريا إلا عندما تطلب منه ايران ذلك، أو عندما يتم التوصل الى حل شامل للوضع فيها، وان سلاحه قد يبقى في الداخل ليتحكم بقرارات الدولة وبنتائج الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومات، وهو ماحصل منذ العام 2005 فجرت كل الانتخابات النيابية في ظل هذا السلاح رغم اعتراضات واحتجاجات ما كان بعرف بـ 14 آذار، إلا إذا كان للحزب في عهد حليفه الرئيس ميشال عون موقف آخر حرصاً منه على استمرار التحالف، إذ انه لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يظل في لبنان دولتان وجيشان، وإلا فإن عهد الرئيس عون لا يكون عندئذ مختلفاً عن عهود سابقة.