ميشال سليمان

كلمة الرئيس ميشال سليمان خلال مؤتمر إطلاق دليل الحوار الوطني باللغة العربية:

 الثورة الصناعية الرابعة التي تعرف بالثورة الرقمية والمتمثلة بتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي احدثت تغييراً في انماط الحياة وتصنيف القيم لديهم وسلوك الافراد وتراجع دور الوسيط،  فأصبح الحوار( Dialogue) احد الوظائف الاساسية التي تقع على عاتق الحكومات في العالم، تضاف إلى وظيفتيها الرئيستين المعروفتين وهما النمو (Developement)   والديمقراطية ( Democraty) وهكذا تصبح وظائف الحكومات 3D .

اما في لبنان الذي يتميز بتعددية فريدة، فالحوار يجسد روح الدستور اللبناني وعبره يمكن الوصول الى فهم مشترك لمفردات  ومصطلحات العقد الإجتماعي المتمثل بوثيقة الوفاق  الوطني ( الطائف). وقد ظهر جليا في تاريخ لبنان السياسي القديم والحديث إن تعثر الحوار إنعكس تعثراً في تطبيق الدستور وفي تنفيذ الاستحقاقات الدستورية وتشكيل الحكومات، والعكس هو صحيح.

مفهوم الحوار

يهدف الحوار، حسب تعريف الاونيسكو، الى ضمان التنمية المستدامة للجماعات البشرية وتعميم قيم التسامح والعدالة.وفي حين يختلف الحوار عن مذكرات التفاهم بين جهتين او الإتفاقات الثنائية، فهو يهدف بالاعتماد الى الحقائق والمشتركات التي تتناول السياة والاستقلال والحرية  إلى تطوير الممارسة الديمقراطية، ما يساهم بشكل أساسي في رفع الظلم وترسيخ العدالة، وإزالة الحرمان من الحقوق والهوية.

في هذا العصر، لا يمكن تعزيز المواطنة إلاّ بالحوار فالتنوع يجب ألا يؤدي بمكونات الدول المتعددة إلى الذوبان في الأكثرية، كما بالدول الصغيرة إلى الذوبان في العولمة، وبالمقابل على الحوار أن ينقذها من التقوقع والإنعزال.

بين الحوار والدبلوماسية الوقائية والوساطة (الحوار والوساطة هما احدى ادوات الدبلوماسية الوقائية).

• 1-صاحب الرؤيا والذي عمل على تطويرها هو الامين العام الراحل داغ همرشولد، الدبلوماسية الوقائية التي وضعها الامين العام السابق بان كي مون على رأس اولويات ولايته الثانية وصفها " إحدى أذكى الاستثمارات التي يمكن ان نقوم بها"، وحدَّد هدفها الامين العام الاسبق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي بأنه :" ليس فقط العمل على منع نشوء النزاعات،بل منع تفاقمها وتحولها الى صراعاتٍ، والحؤول دون انتشارها". ولو وجدت المبادرة العربية للسلام سبيلاً الى التطبيق بوساطة دولية، ونفذت اسرائيل القرار 425 (1978)، كانقيض للمنطقة توفير الكثير من الحروب الدامية والمآسي، وتلافي الاخطار التي تحيط بنا اليوم من جراء ما يجري في غزة والقدس.

  كما على الدبلوماسية الوقائية السعي الجدي لتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته  ومعالجة عودة اللاجئين السوريين المنتشرين في لبنان والدول الأخرى الى ديارهم نظراً للترددات الكارثية لهذا اللجوء علينا وعلى سوريا بالذات.

• 2-وبقدر ما يبتعد الحوار الداخلي عن الوساطة، وتجنب التدخلات الدولية، بقدر ما ينجح في الوصول الى حلول مستدامة للنزاعات.

   الحوار الوطني إجراء رسمي داخلي،  يعتمد على  بناء الثقة بين النخبة السياسية والمجتمع المدني، ويهدف الى البحث عن حلول عملية وسياسية للمشاكل الاساسية التي يتعذر ايجادها في المؤسسات الدستورية. وقد وصف المرحوم غسان تويني المفكر والسياسي والدبلوماسي اللبناني هيئة الحوار الوطنِي اللبنانية بانها " ابداع ديمقراطي  تجمع الموالاة والمعارضة والمستقلين والمجتمع المدني والسلطات الدستورية، حيث تجري المناقشات خارج وطأة التصويت والربح او الخسارة السياسية".

  إن هذه العملية الحوارية  هي وطنية شاملة، يسهل استدراج الدعم الدولي والاقليمي لها دون تدخل أو مس بالسيادة. وليس من سبيل المبالغة القول ان نتائج الحوار اللبنانِي ادت الى اعتماد ميثاق شرف صالح لكلِ الظروف، واقرار  "اعلان بعبدا " الذي جسد عملية سياسية تهدف الى تحييد لبنان عن صراعات المحاور.  هذا الاعلان منع على الاقل صراعات في الداخل انعكاساً للصراع الاقليميّ كما ان عرض الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان على هيئة الحوار دون ان يتسنى مناقشتها، استدرج الدعم العسكري للجيش اللبناني. مع الاشارة  ان اعلان بعبدا المشار اليه إعتمد وثيقةً رسميةً في الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي،  وأيدته معظم الدول، وبناءً عليه تم تأسيس مجموعة الدعم الدولية للبنان من قبلِ الدولِ الخمس +2 ومنظمة الامم المتحدة والجامعة العربية " " ISG For Lebanon.

• 3-واكبت هيئة الحوار المشار اليها وسهلت اعمالها، مركز الدراسات في رئاسة الجمهورية، لجنة تحضيرية جمعت نخبةً اكاديميةً وسياسيةً وقانونية واقتصادية ودبلوماسيةً،مجموعة مبادرة المساحة المشتركة التي حظيت بدعم الامم المتحدة ومؤسسة بيرغهوف ولجنةً تقنيةً عكفت على درس الاوراق الاستراتيجية المقترحة.

   كما واكب الاعلام عملية الحوار عبر إعلاميين ومحليلين وشخصياتٍ قامت بدور الحاضنة له.  وكون الاعلام هو من اهم دعائم الحوار الوطني فقد اقرت الهيئة ميثاق شرف لوقف الحملات التخوينية والمناظرات والمبارزات الخطابية،  بالاضافة الى انه يقتضي الانفتاح على امكانية الاقتناع وعدم التحجرّ في المواقف، وتجنب انعكاس خلافات الخارج امتداداً لخلافات الداخل والاختلاف في الرأي اختلافاً عقائدياً دستورياً.

مفاعيل الحوار الوطني اللبناني

ان انعقاد هيئة الحوار كان له الأثر الايجابي في نفوس المواطنين و في مواكبة معظم الاستحقاقات الدستورية والسياسية والاقتصادية.وقد ترافق الحوار الوطني الذي جرى في لبنان بين عامي 2008 و2014 بارتفاع معدل النمو الاقتصادي ليبلغ 10% عام 2010 رغم الازمة المالية التي ضربت العالم عام 2009. كما جنب الاتفاق على تحييد لبنان الذي نص عليه اعلان بعبدا البلاد الانعكاسات السلبية للصراعات الاقليمية رغم التنكر له بعد 3 أشهر من التوافق عليه بالاجماع.

لذلك ولاستعادة زمام المبادرة الداخلية ينبغي اطلاق الحوار لمناقشة خطة الانقاذ التالية:

آليات تطبيق التحييد.

الاستراتيجية الدفاعية.

مراجعة الاتفاقات مع سوريا.

اللامركزية الادارية.

تشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية.

تعديل قانون الانتخاب النسبي لنزع الصيغة المذهبية عنه (الارثودكسية).

اقرار قانون استقلالية القضاء.

ايجاد حلول للاشكالات الدستورية.

اعتماد لبنان مركزاً لحوار الحضارات والاديان.

الخاتمة:

الحوار حول الملف النووي الايراني اثمر تهدئة في المنطقة قبل ان يصبح اتفاقاً ناجزاً في حين ان خروج الولايات المتحدة مؤخراً منه وقرار نقل السفارة الاميركية الى القدس وقيام اسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري والكلام عن صفقة القرن، اججت الاضطرابات في الشرق الاوسط، عشية اشراف عملية القضاء على الارهاب على نهايتها.

يتطلب العالم الجديد مضاعفة الجهود وخلق مساحات حوار دائمة ومشتركة بين مكونات المجتمع والكيانات المتعددة، كما ينبغي مواكبة التطور العلمي بتطوير الانظمة التي تدير شؤون الناس، لجعلها اكثر انسانية تحفز المشاركة وتحفظ حقوق المكونات الحضارية للدول. وهذا يقع على عاتق كافة الدول وبخاصة الدول الكبرى والمنظمات الدولية.

  شكراً لكم وللمؤلفين وبخاصة فيما يتعلق بلبنان فراس  
 خيرالله وسونيا نيوفيلر واوليفر ويلز.

 شكراً لمنظمة بيرغهوف وللسفارتين المانيا وسويسرا، عاش     
 لبنان.