21 كانون الثاني 2019
طالب عبر "المستقبل" بـ"فصل السياسة عن الاقتصاد" سليمان: مطامع إقليمية وراء عرقلة الحكومة

صفاء قره محمد

أسف الرئيس ميشال سليمان لـ"جعل تعطيل الاستحقاقات الدستورية في لبنان عادة"، مشدداً على أن "لا شيء يبرر تأخير تأليف الحكومة"، ومعتبراً أن "هناك أهدافاً ومطامع إقليمية تقف وراء هذه العرقلة". 

سليمان، وفي حوار خصّ به موقع جريدة "المستقبل"، أكد على "أهمية تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الدائرة"، باعتبار "هذا التحييد ضمانة لكل الطوائف لإبعادهم عن الارتباطات الإقليمية والدولية"، مشيراً إلى استحالة "الانتقال إلى الدولة المدنية من دون البدء بتحييد لبنان عن صراعات دول الجوار"، ومطالباً في الوقت عينه بـ"فصل الاقتصاد عن السياسة". 

وفي ما يلي نص الحوار:

*تتضارب المعلومات والتحليلات حول أسباب عرقلة تأليف الحكومة، فهل هي فعلاً تتعلق بتمثيل سنة 8 آذار أم هي مرتبطة بالثلث المعطل الذي يصرّ "حزب الله" على منع رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" من الاستحصال عليه؟

ــ أصبح تعطيل الاستحقاقات الدستورية في لبنان عادة. فبعد الانسحاب السوري من لبنان كان يتوجب على اللبنانيين الذين بلغوا سن الرشد السياسي حل مشكلاتهم بأنفسهم إلا أنه في كل استحقاق هنالك عرقلة ما، حتى باتت هذه العرقلة جزءاً من حياتنا اليومية. لا شيء يبرر تأخير تأليف الحكومة، ولن نقبل أن تصبح مدة ثمانية أو عشرة أشهر مباحة أو طبيعية قبل كل حكومة جديدة. العالم يسير من حولنا ويتطور وما كان جديداً على صعيد التكنولوجيا والتطور التقني قبل ثمانية أشهر أصبح قديماً الآن. كنت أعتبر أن عرقلة تأليف الحكومة تأخذ طابعاً شخصياً إلا أنه تبين أنّ هناك أهدافاً ومطامع إقليمية.

‏*ألا تعتقد أنّ الاشتباك الحكومي له أبعاد خارج الحدود اللبنانية، وإلى أي حد يتصل بإعادة ترتيب العلاقات مع سوريا أو ربطه بعودة سوريا إلى الجامعة العربية أو دور إيران في المنطقة؟

ــ بكل تأكيد تأليف الحكومة يرتبط بالخارج، إلا أنه إذا كان لدى الأطراف الداخلية نية لتسهيل تأليف الحكومة لن يتمكن الخارج من العرقلة. لهذا، أجد أنّ هناك التقاء مصالح بين نوايا الداخل والخارج لمزيد من العرقلة.

التحييد ضمانة للبنان

‏*بتقديرك، إلى أي مدى تمكنت الحكومة من تثبيت شعار "النأي بالنفس" عن الأوضاع في المنطقة في الوقت الذي لا يزال فيه "حزب الله" يجاهر بانغماسه في اليمن وسوريا؟

ــ لم تتمكن الأطراف السياسية من اعتماد مبدأ "التحييد" أو النأي بالنفس، باستثناء الرئيس سعد الحريري الذي طلب فرض هذا المبدأ. مع الأسف، ليس هنالك من نية لدى الأفرقاء السياسيين لاعتماد هذا المبدأ ويظهر ذلك جليّاً في مواقفهم التصعيدية الذين مع هذا الطرف أو ذاك خصوصاً حيال الملفين السوري والإيراني. لست ضد هذا المحور أو معه، ويجب أن يكون لبنان محيّداً عن هذه الصراعات والمحاور وهذا ما تحدث عنه في "إعلان بعبدا" الذي يستند إليه أحياناً مؤتمر "سيدر" أو مؤتمر روما أو الأمم المتحدة حينما يطلب من الحكومة اللبنانية الابتعاد عن التدخل في شؤون المنطقة التي تشهد صراعات دموية، وهنا يتوجب على رئيس الحكومة التشديد على تنفيذ هذا المبدأ للوصول إلى حلول جذرية والابتعاد عن التشنج الطائفي المذهبي.

‏*هل أصبح "إعلان بعبدا" في خبر كان وما الذي سيتغير لو إلتزمت كل الأطراف به؟

ـ كان إعلان بعبدا جزءاً من خطة لانقاذ لبنان بشكل نهائي، بحيث يبدأ إعلان بعبدا بتحييد لبنان تتبعه استراتيجية دفاعية (قدمت تصوراً لها أمام هيئة الحوار الوطني) لضبط أمور الدولة والحفاظ على سيادتها، يتبعها تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية بعد ذلك تطبيق اللامركزية الإدارية وإعادة النظر بالاتفاقيات مع سوريا. يكثر الحديث الآن عن الدولة المدنية وتطرق إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري إلا أنه لا يجب جعلها شعاراً فقط كشعار "النأي بالنفس". ليس بإمكاننا الانتقال إلى الدولة المدنية من دون البدء بتحييد لبنان عن دول الجوار. فهذا التحييد ضمانة لكل الطوائف في لبنان لإبعادهم عن الارتباطات الاقليمية والدولية وجعلهم في خدمة لبنان فقط، بعد ذلك يمكننا البدء بتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس شيوخ واختبار فاعلية هذا المجلس على مدى طويل، عندها ينجح اللبنانيون بالخروج من الانتماءات المتعددة. وهنا عندما نتحدث عن التحييد فنحن نستثني موقفنا من إسرائيل.

القمة الاقتصادية شرف للبنان

‏*كيف تنظر إلى تداعيات القمة الاقتصادية العربية، والتي أدت إلى إلغاء حضور ليبيا في القمة العربية واعتذار عدد من قادة الدول عن الحضور؟

ــ أستغرب ما وصلنا إليه من تنازع على الصلاحيات، كنت أعتقد أنّ هناك سعياً لتصحيح إشكالات جراء ثغرات دستورية من أجل تطبيق اتفاق الطائف إلا أنّ ما يحصل الآن هو تعدي على صلاحيات وإلغاء دور رئيس الحكومة. ما يزعجني أيضاً هو ما يحصل بهذه الفترة من اجتماعات دينية مذهبية كالاجتماع الذي حصل في بكركي للموارنة وآخر في دار الافتاء للطائفة السنية واجتماع المجلس الاسلامي الأعلى للطائفة الشيعية، وأخيراً الاجتماع الدرزي لطائفة الموحدين الدروز. هذه المظاهر ليست في صالح لبنان على الرغم من النية الايجابية لهكذا اجتماعات، إلا أنه لا يمكننا العودة إلى ما قبل الطائف فهناك دولة وطاولة حوار وعلى الجميع مناقشة الإشكالات حول هذه الطاولة وليس في اجتماعات جانبية. فلقد حان الوقت للخروج من المربعات المذهبية. ما حدث قبيل انعقاد القمة العربية في بيروت أمر مؤسف للغاية هنالك من يطالب بدعوة سوريا ويرفضون مجيء ليبيا وغالبية رؤساء الدول لم تحضر. لا يجب أن يفرض أحد رأياً على الدولة اللبنانية، فالقمة الاقتصادية هي شرف للبنان وليست عملية مزايدة ونزاعات، لكن أيضاً علينا مراجعة سياستنا المتبعة تجاه الخارج ونعمل على تصحيح الأخطاء.

العالم يحتاج إلى الثقة بلبنان

‏*هل تعتقد أنّ العقوبات الأميركية بدأ مفعولها لناحية إشتداد الخناق على "حزب الله" والمنتمين إليه، وهل ترى أنّ الاختناق الإقتصادي الذي يمر به لبنان مرتبط بهذه العقوبات؟

ــ بكل تأكيد، لهذا يجب فصل الاقتصاد عن السياسة، لا يمكن أن يسير الاقتصاد ضد السياسة في لبنان، لهذا يجب تحييد لبنان عن الملفات السياسية الشائكة لأن هذا يُجنّب الاقتصاد اللبناني الكثير من الخسائر، خصوصاً أنّ لدى لبنان ميزات تفاضلية كبيرة للاستثمار والسياحة والثقافة والطب. أي تصريح تطميني من رئيس الجمهورية أو من أي طرف يفرض إرادته على لبنان كـ"حزب الله" باعطاء إشارة ثقة للعالم بأن الدولة تستعيد شؤونها، من السلاح إلى القرار، فهذا الأمر يعطي أماناً للدول على الناحية الاستثمارية ويحرك العجلة الاقتصادية.

لحماية القرار 1701

*كيف تنظر إلى التطورات الميدانية الأخيرة على الحدود الجنوبية، وكيف تقيّم أداء لبنان الرسمي في مواجهة التعديات الإسرائيلية؟

ــ علينا التمييز بين التصرف الإسرائيلي والردّ اللبناني لأنّ القرار 1701 وقوات "اليونيفيل" موجودة في الداخل اللبناني وليس في إسرائيل التي تخالف هذا القرار وتتصرف بشكل مستبد ومتسلط وتخرق السيادة اللبنانية بشكل يومي، لكن هذا الأمر لا يبرر خرق الـ 1701من الجانب اللبناني. لا يمكننا أن ننكر أنّ الجنوب يعيش منذ قدوم قوات الطوارئ الدولية حالة من الاستقرار وينعم بالهدوء والازدهار. حينما كنت رئيساً للجمهورية وفي إحدى الاجتماعات في فرنسا عُرِض عليّ فتح التفاوض مع إسرائيل ورفضت ذلك رفضاً قاطعاً وكان جوابي أنّ لبنان هو آخر من يتفاوض مع إسرائيل. أما فيما خص قضية الأنفاق فلم يتبين إنّ كانت موجودة قبل الـ1701 أو بعده، لهذا إذا كان هناك من خروقات من الجانب اللبناني فيجب إزالتها.

تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة