الرئيس سليمان يفجّرها.. النأي بالنفس كذبة وعلى حزب الله الانخراط بالدولة
خاص "اللبنانية"
جانين ملاح
بقلق يراقب رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان مجريات الاحداث على الساحة اللبنانية. ينهمّ في السياسة ويهتم بعدم الظهور. يتابع دقائق الحياة السياسية محليا. يتأسف للاحداث التي حصلت في الجبل، هذا الجبل الذي كان انهى فيه سليمان عهده باتمام المصالحة وبختم جرح بريح المتبقي من آثار الحرب الاهلية عام ٢٠١٤. السياسة والخطاب السياسي المتشنج والتصاريح التي تخطت كل القواعد العقلانية ولّدت هذه التوترات في الشارع التي سقط فيها ضحايا. وهذه الاحداث ليست طائفية انما بنت ساعتها حصلت بتحدٍّ سياسي بين اطراف متناحرة سياسيا تم فيها استعمال السلاح، فلا استدراج مقصود من الخارج ولا كمين محضّر بالداخل والمخطط الاكيد يكمن في عزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لكن مخطئ من يفكّر بمحاصرة جنبلاط سياسيا. فحضور جنبلاط في الجبل لا يمكن تجاهله لان ثمة جزء كبير من الطائفة الدرزية يعتبره اساسيا حتى ان قسما اخر ولو انه يعارضه بالسياسة الا انه لا ينكر حيثيته المتميزة. فلو ارادوا محاربة الاقطاع وتغييره الامر يكون بالسياسة وبتطبيق الطائف بشكل صحيح وبتحييد لبنان للوصول الى الغاء الطائفية السياسية.
اما مسؤولية ما حصل في الجبل فلا يمكن تحميلها لطرف دون اخر بل للاجواء المشحونة التي سبقتها، يقول الرئيس سليمان في حديث عبر موقع "اللبنانية" لكن القضاء هو الكلمة الفصل، فعلى ضوء التحقيق تقترح السلطة القضائية ما اذا كانت احداث الجبل تستحق الاحالة على المجلس العدلي ام لا. وفي كلتي الحالتين، الثقة كبيرة بالقضاء ولو ثمة شكوك بانه يتعرض في بعض الاحيان لضغوطات سياسية او تدخلات عسكرية.
بقدر ما يعتبر الرئيس السابق للجمهورية ما حصل في الجبل مؤلما بقدر ما يجد ان التفاهمات الثنائية السياسية بدءا من تفاهم مار ميخايل وصولا الى التسوية الرئاسية مرورا بتفاهم معراب طفيليات على جوانب الدستور سيما في ظل وجود دستور يحمي. نفهم ان يصار الى تفاهمات انتخابية لكن ان نضع بنودا نتقاسم فيها المراكز ونحافظ على مكاسب بعضنا فهو لانتهاك للدستور ولروحيته لان لبنان هو صيغة تفاعلية ميثاقية بين اللبنانيين لا تراعي الديمقراطية بمفهومها المعروف في العالم، وهي صيغة حضارية متقدمة ولكن تشترط تفاعل الحضارات وكل ما يقام بجوانبها يكون خطأ.
لا يؤيّد سيد العهد الذي اضمحل فيه الدور السوري وبات يُحكم بأيادٍ بصناعة لبنانية فكرة وجود سلاح غير شرعي. فالسلاح بعد التحرير بات في مكان اخر يفرض تنظيمه باطار الدولة او تصديره الى مصدره الاساسي. برأيه المقاومة نجحت حين كان عليها اجماع لبناني اما اليوم فهي تولّد خلافا لبنانيا وبالتالي لا لزوم لها ومن يحرر شبعا هي الدولة عبر الجيش اما عبر الوسائل المشروعة والمتاحة والدبلوماسية من ابرزها واذا اقتضى الامر بالوسائل العسكرية عند توفر القدرة. وفي هذا المجال قدرة الجيش اكبر من قدرة المقاومة لان مسرح العمليات مختلف كلياً عن الجنوب المحتل والذي حرر عام ٢٠٠٠، في كون البقعة المحتلة اليوم خالية من السكان الذين يشكلون العنصر الرئيسي في المقاومة من الداخل، والحرب ستدور اذا حصلت على خط جبهة عسكرية، ولهذا السبب تم طرح الاستراتيجية الدفاعية عام ٢٠١٢.
ورغم كل ما قيل عن عهده، يعتزّ الرئيس سليمان بانه تمكن خلال توليه سدة الرئاسة من اعادة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا ومن نشر لبنان في الخارج ومن ايصال نسبة النمو الى عشرة بالمئة قبل الاحداث في سوريا ومن تحييد لبنان وعقد هيئة الحوار الوطني منذ اليوم الاول للعهد. نجح في وضع تصور لاستراتيجية دفاعية صحيح انها لم تناقش لكنها عممت لضبط موضوع السلاح، وفي عهده تم تأليف هيئة الدعم الدولية للبنان وهي من اهم الهيئات التي تأسست للتعويض على لبنان الخسائر التي تكبدها جراء الحرب السورية، وتم استناداً لقرارات المجموعة تأسيس صندوق هبات في البنك الدولي لاعمار البنى التحية وادارات ومؤسسات الدولة التي تضررت من جراء الحرب السورية لكن كل ذلك يهمل اليوم لان خلاصات المجموعة تدعو الى تطبيق اعلان بعبدا. وهو ما يؤكد صوابية اعلان بعبدا لا سيما لجهة النأي بالنفس لان هذا الامر بات اليوم كذبة يغطون فيها اسبابا حالت دون تقدم العهد الذي وصف بانه العهد القوي.
ويسأل سليمان هل يا ترى ان القوة في لبنان تخدم الصيغة اللبنانية وهل استعملت هذه القوة للصالح الوطني ام تستعمل للتوظيف السياسي للاطراف؟ الى اليوم يضيف الرئيس سليمان لم يتبين من هذا العهد الا انه انتج صفر بالمئة اقتصاد ونمو في حين انه لو بدأ بالحوار لكان انعكس ذلك جو طمأنينة ومناخا منتجا للاستثمارات.
في قلب فخامة الرئيس حب وولاء للمؤسسة العسكرية. لا يقبل ان تمسّ حقوقهم وهو الآتي من رحمها وكانت له محطات مهمة خلال قيادته للجيش لا احد ينسى منها وقوفه في وجه المشروع الذي كان يرمي الى تسديد تعويضات العسكريين بسندات خزينة ورفضه ان يقود الجيش بسندات خزينة، وموقفه من التسريح حيث اتخذ قرارا بعدم السماح بتسريح الجيش قبل ٢٣ سنة خدمة. هناك حلول يقول الرئيس سليمان ولكن قبل ان نعمل على تعويض عجز الموازنة بالاقتطاع من حقوق العسكريين فلنعمل على تعزيز معنويات الجيش والقوى الامنية عبر جعلهم القوة الوحيدة التي تحمل السلاح. واذ يعتبر ان الاجراءات الاميركية الاخيرة المتخذة بحق نائبين من حزب الله منتخبين من الشعب في غير مكانها من الناحية الديمقراطية والدبلوماسية ومتانة العلاقات بين البلدين، فعلى الدولة متابعة الموضوع مع سلطات الولايات المتحدة كما على حزب الله مباشرة عملية الانخراط في الدولة اللبنانية والالتزام بتحييد لبنان ومناقشة استراتيجية دفاعية تعيد قرار السلم والحرب الى الدولة وتدعم الجيش بقدراتها عند الطلب ولكن بامرة الجيش وذلك لفترة انتقالية لا تتجاوز السنتين لتصبح بعدها القوى الامنية الشرعية فقط صاحبة الحق بامتلاك عناصر القوة والسلاح.