سليمان في رسالة إلى بان كي مون: نحرص على وحدة سوريا مع ما تعنيه هذه الوحدة للبنان
سعادة الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون المحترم
تحيةً وبعد،
يَسُرُّني أن أتقدَّمَ منكم، باسمي كرئيسٍ سابقٍ للجموريةِ اللبنانيةِ وباسمِ "لقاء الجمهورية" الذي يضُمُّ قياداتٍ وشخصياتٍ من المناطِقِ والطوائفِ كافّة، بعرضٍ للتحدياتِ والهواجسِ الأساسيّةِ التي يُواجهُها لبنان راهناً، في ظلّ استمرارِ الشغورِ الرئاسيّ.
وإذْ أؤكِّدُ ضرورةَ اتّخاذِ إجراءاتٍ أراها مِفصليّةً بالنسبة إلى لبنانَ لمواجهةِ التهديداتِ ومنعِ انهيارِ الوطنِ الغنيِّ النسيجِ بالأديانِ والأعراقِ والمبادىءِ القائمةِ على احترامِ الحريةِ الدينيةِ والتسامحِ والعيشِ المشترك، ألفُتُ المجتَمَعَ الدوليَّ إلى ضرورةِ ضمانِ تحييدِ لبنانَ عن صراعاتِ المحاوِرِ كما جاءَ في "إعلان بعبدا" الصادرِ عن هيئةِ الحوارِ الوطنيِّ في 11\6\2012، الذي اعتمدَتْهُ الأممُ المتحدةُ والجامعةُ العربية، وثيقةً من وثائِقِها الرسميّة.
ومَعَ انطلاقِ محادثاتِ جنيف لتسويةِ الأزْمَةِ السوريةِ وارتفاعِ نسبةِ الهواجِسِ من التّداعياتِ على لبنان، بلدِ الوَحدَةِ والعيشِ المشتركِ والصيغةِ الفريدة، تهُمُّني الإضاءةُ حصراً على النِّقاط (الهواجس) المرتبطةِ بالحلِّ السوريّ المرتجى.
أولاً: إنَّ الهاجسَ الأساسَ يكمُنُ في احتمالِ نشوءِ كَياناتٍ سياسيةٍ أو عرقيةٍ أو دينيةٍ من لونٍ واحدٍ كبديلٍ من دولة سورية موحَّدة قائمة على الاعتدالِ واحترامِ حقوقِ الإنسانِ والحرياتِ العامةِ والاعترافِ بالآخرِ المختلِفِ والمشاركةِ مَعَهُ في إدارةِ الشأنِ العام، مما قد يُهدِّدُ الصيغةَ وجوهرَ التعدديةِ في لبنان، "الوطن الرسالة" كما وَصَفَهُ البابا القديسُ يوحنا بولسُ الثاني.
إنَّ خَشْيَتَنا من قيامِ كَيانِ اللونِ الواحدِ (كما يُسرَّب) على طولِ الحدودِ الشَّماليةِ الشرقيةِ من شاطىءِ اللاذقيةِ وصولاً إلى جبلِ الشيخ حيثُ تبدأ الحدودُ الجنوبيةُ مع الكَيانِ اليهوديِّ – العدوّ الاسرائيلي، تنطلقُ أولاً من حرصِنا على وَحدةِ سوريا مَعَ ما تَعنيهِ هذه الوَحدةُ للبنان، وتُبعِدُ عنه الانعكاساتِ الخطيرة، التي تهدّدُ تعدديَتَهُ وتحاصِرُ مداهُ الحيويَّ وتُعيقُ انفتاحَهُ على محيطِه، وتحوِّلُهُ رهينةً أشبَهَ بجزيرةٍ معزولةٍ بين كَيانين.
ثانيا: ترسيمُ الحدودِ اللبنانيةِ – السوريةِ استناداً الى القراراتِ الدوليةِ لا سيّما منها 1559 و1701، الّلذَيْنِ ينُصّانِ صراحةً وبوضوحٍ على ذلك، خصوصاً في المناطق التي تشهدُ نزاعاً أو التباساً، ولا سيّما مزارعِ شبعا وتلالِ كفرشوبا المحتلتين، وهو شأنٌ من صُلبِ مَهَمّاتِ الأممِ المتحدة .
ثالثا: نشرُ مراقبينَ دوليينَ على الحدودِ الشرقيةِ والشَّماليةِ أقلّهُ في المرحلةِ الاولى لبدءِ تطبيقِ التسويةِ السياسيةِ السوريةِ للمساعدةِ في منعِ تدفقِ المسلحينَ الإرهابيينَ في اتجاهِ لبنان، والطلبُ إلى "اليونيفيل" تقديمَ المساعدةِ إلى الحكومةِ اللبنانيةِ حيث تدعُو الحاجة، لضمانِ عمليةِ ترسيمِ الحدود.
رابعا: ضرورةُ إدراجِ العودةِ الكريمةِ، الآمنةِ والآنيّةِ للنازحينَ السوريينَ الى بلادِهِم في سُلَّمِ أولوياتِ الحلِّ للازمةِ السوريةِ، والعملُ مع الاممِ المتحدةِ المسؤولةِ عن ملفِ اللجوء، على وضعِ اجندةٍ تؤمنُ عودةً ممنهجةً وليست طوعيةً الى سوريا، كما وردَ في متنِ القرارِ الدوليّ 2254.
إنَّ هذه العودةَ الفوريةَ تبدّدُ هاجسَ التوطينِ المرفوض سياسياً، شعبياً ودستورياً، خصوصاً أنّ لبنانَ لا يزالُ حتى اليوم يتحملُ عبءَ النزوحِ الفلسطينيِّ الى اراضيهِ وما يشكلُهُ من تحدياتٍ كَيانيّة، سياسيّة، امنية، اجتماعية واقتصادية.
هذه المسألةُ تتطلبُ إِرساءَ الحَلِّ الدوليِّ لرفعِ هذا العبءِ الهائلِ عن لبنان (نصف عددِ سكان لبنان) الذي لا يزالُ يُصِرُّ على ضرورةِ تقاسمِ الأعباءِ والأعداد، مَعَ الاشارةِ الى وجوبِ اعادةِ الفلسطينيينَ الذينَ وَفَدوا من سوريا الى لبنانَ منذ نشوءِ الحربِ السورية.
خامسا: تَوَلّي الاممِ المتحدة مهمةَ الاهتمامِ الدوليِّ بلبنانَ وتعويضُ خسائرِهِ جراءَ الازمةِ السوريةِ التي استدعَتْ تشكيلَ المجموعةِ الدوليةِ لدعمِ لبنان (ISG) في العام 2013، حيث قُدِّرَتِ الخسائرُ اللاحقةُ بالاداراتِ والمؤسساتِ الرسميةِ والبُنى التحتيةِ جراءَ النزوحِ السوريِّ بنحوِ 7،5 ملياراتِ دولار في حينِهِ وأنشأتْ صندوقاً إئتمانياً في البنك الدولي.
ومَعَ الاشارةِ الى تضاعُفِ هذا الرقمِ حالياً، باتَ يستوجبُ العملُ دولياً على تمويلِ هذا الصندوقِ بالمبالغِ اللازمةِ بموازاةِ تلكَ التي ستُقَرُّ لورشةِ اعادةِ اعمارِ سوريا، خصوصاً انَّ انجازَ مِلفِّ العودةِ يحتاجُ الى وقتٍ ليس بقليل.
سعادةَ الامين العام،
لبنانُ ليسَ غافلاً عما قمتُم بهِ في المحافِلِ الدوليةِ وخصوصاً في الاممِ المتحدةِ من اجلِ مساعدته، وهو شاكرٌ لكم، ونحنُ إذ نُقدّرُ عالياً دورَكُم هذا، نتطلعُ ونأمَلُ من سعادتكم في ان يَلقى مضمونُ هذه الرسالةِ اهتمامَكم الشخصيَّ وعنايتَكم ومتابعَتَكم حفاظا على لبنانَ الدولةِ والكَيانِ الفريد، وصوناً لرسالتِهِ وصيغتِه المميزةِ في العالم، وتكريسِ دوره كرسالةِ حضارةٍ وتلاقٍ للثقافات والاديان.
العماد ميشال سليمان
الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية
رئيس "لقاء الجمهورية"