إيلاف من بيروت: أكد الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان ضرورة تحييد لبنان عن صراعات المحاور بحسب ما نص إعلان بعبدا، وضرورة الفصل بين علاقة لبنان بإيران وعلاقته بالدول العربية التي تعاني مشكلات مع إيران، لافتًا الى انه لا يجوز الاساءة الى المملكة بسبب خلافات بين إيران ودول الخليج العربي.
ويرى سليمان في حوار خاص مع "إيلاف" أن المؤتمر التأسيسي الذي يكثر الكلام عنه هو إلغاء للبنان كما نعرفه، كما عرّف الميثاقية بأن يحفظ المسلم موقع المسيحي، وأن يحفظ المسيحي موقع المسلم.
يخشى سليمان أن تكون ورقة الرئاسة اللبنانية بيد إيران لترميها على طاولة المفاوضات السورية عندما يحين وقت الحل، ويتمنى أن يكون ذلك غير صحيح.
وتوقع سليمان نشوء كونفدرالية في سوريا والعراق، وقال: "هناك بوادر تقسيمية في سورية والعراق، لكنني أعتقد انها ستنتهي بكونفدراليات معينة مع إعادة رسم الحدود داخل هذه الدول من دون أن تصبح دولًا عدة، فتبقى سورية سورية إنما بفدراليات معينة... والعراق ايضا، وبرأيي هذا هو الحد الاقصى المسموح به". كما توقع وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الابيض.
الرئيس ميشال سليمان مع الزميلة نهلة صفا
في ما يأتي نص الحوار:
فخامة الرئيس، يقال دائمًا إنكم دفعتم ثمن مواقفكم الجريئة.
أنا لم أدفع ثمن مواقفي، بل لبنان هو من دفع الثمن، فالتجربة التي مررت بها جعلت بعض الأفرقاء يقولون إنهم لن يكرروا تجربة ميشال سليمان في الرئاسة. فماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنه يجب عدم انتخاب رئيس يطالب بتحييد لبنان، ويطالب باستراتيجية دفاعية، أما ما يقال عن ثمن آخر فهذا غير صحيح إطلاقًا، وإن كان المقصود التمديد الرئاسي فانا كنت ضده قبل المواقف التي اتخذتها، واطلقت مواقفي من عدم شرعية التمديد، وعدم رغبتي به منذ سنتين ونصف قبل انتهاء ولايتي الرئاسية، لذلك لم أكن أرغب في التمديد. واريد أن افصح عن أمر: كان ثمة أشخاص يجاهرون بمواقفهم ضد التمديد، ويرسلون إلي رسائل كي أغير مواقفي وأقبل بالتمديد، لأنهم لم يجدوا رئيسًا بعدي.
هل ترون إمكانية لتغيير اتفاق الدوحة؟
اتفاق الدوحة لم يأت بي رئيسًا، بل اتفق اللبنانيون على العماد ميشال سليمان رئيسًا، واتفقت الاطراف السياسية وأيدتني قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق. لكن بسبب خلافات على ما يسمى "السلة المتكاملة"، وبسبب اشتراط أحد الافرقاء هذه السلة علي حتى قبل أن انتخب، رفضت وكنت حينها قائدًا للجيش. تأجل الانتخاب ستة أو سبعة اشهر وحصل فراغ في سدة الرئاسة، لكن اتفق فريقي 8 آذار و 14 آذار في فندق فينيسيا على انتخاب ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية، وبعدها ذهبوا إلى الدوحة حاملين ورقة مشتركة، بندها الأول انتخاب سليمان، لكنهم كانوا يريدون التحاور حول البنود الباقية، مثل: شكل الحكومة والمقاطعة، واستخدام حق اسقاط الحكومة، وقانون الانتخاب.
الكلام كثير عن المؤتمر التأسيسي للبنان كحل سياسي. هل توافقون على ذلك؟
في الحقيقة، المؤتمر التاسيسي كلمة كبيرة جدًا، وإذا كان هناك مؤتمر تأسيسي، فهو ليس للبنان الراهن، بل للبنان آخر، لبنان غير موجود حاليًا ولن يكون له التألق المعهود. يجب أن لا ننسى اننا نمر بفترة مهمة جدًا في تاريخ بلادنا، فلبنان يثبت يومًا بعد يوم كيف يمكن أن تتعايش الطوائف فيه، وأرى أن المؤتمر التأسيسي في حال حصوله يعني إلغاء لبنان الذي نعرفه، لبنان الذي يثبت الآن أنه في ظل الاضطراب الاقليمي والحروب الطائفية التي تحصل، وفي ظل القتل على الهوية والتهجير، يضم تنوعًا طائفيًا كبيرًا. وهو اليوم يستقبل نحو مليوني لاجىء، ولم يحصل فيه أي حادث طائفي. إنها حقبة مميزة ومشرقة، ومحطة مضيئة في تاريخ لبنان وصيغة النظام اللبناني. واذا دخلنا في المؤتمر التأسيسي فهذا يعني اننا نتنكر لكل شيء أنموذجي في العالم، ونتخلى عما اطلق عليه البابا يوحنا الثاني تسمية "وطن الرسالة".
ألا ترون أن مرد هذا الستاتيكو الذي يعيشه لبنان إلى اتفاق دولي اقليمي لا إلى عوامل داخلية؟
لا أرى أن القرار الدولي هو ما يجعل الساحة الداخلية هادئة أو مشتعلة. فالقرار لبناني، وهناك قناعة بالعيش المشترك بين الطوائف بطمأنينة. هذا اقتناع الشعب اللبناني بالعقد الاجتماعي اللبناني، يعني الميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني التي كرست الوفاق الوطني. هذه القناعة هي التي أنتجت الأمن والاستقرار. فالدول هنا تدعم الاستقرار، لكن اذا تدخلت تلعب دورًا في إشعال الوضع الامني... أي إنها لا تصنع الاستقرار.
يبدو الاستحقاق الرئاسي عالقًا بيد حزب الله المستقوي بسلاحه على الساحة اللبنانية. إلى متى يبقى موقع رئاسة لبنان رهينة ارتباطات حزب الله الاقليمية وانغماسه في سورية؟
لا أعرف إلى متى، لكن اتمنى أن يتجه حزب الله اليوم إلى انتخاب رئيس لبناني إن أردنا أن نتمسك بالميثاقية في لبنان. جوهر الميثاقية وعمودها الفقري هو أن يحفظ المسلم موقع المسيحي، وان يحفظ المسيحي موقع المسلم. ليست الميثاقية بالاعداد ولا بالمواصفات، ولا بالطول والعرض وكم نملك عددا من النواب، بل هي المحافظة على مكانة الطائفة الأخرى وحضورها السياسي، لذلك على حزب الله أن يذهب مباشرة إلى مجلس النواب لينتخب الرئيس المسيحي، كما على المسيحي أن يذهب بدوره إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس المجلس النيابي الشيعي او اختيار رئيس مجلس الوزراء السني من خلال مشاركته في الاستشارات. وكل مقاطعة من طائفة على موقع طائفة أخرى تهز جوهر الميثاقية.
لكن حزب الله يربط انتخاب رئيس والملفات اللبنانية الأخرى بمآل الصراع في سورية، وبالاتفاق السعودي الإيراني؟
اخشى أن تكون هذه هي القضية، وان تكون ورقة الرئاسة بيد إيران لترميها على طاولة المفاوضات السورية عندما يحين وقت الحل. اتمنى أن يكون ذلك غير صحيح، لكنني أشعر بهذا الامر، كما اشعر بأمر آخر وهو أن يأتي رئيس ويطالب بتنفيذ إعلان بعبدا اي بتحييد لبنان عن الصراعات، وكأنه يجب ألا يأتي رئيس أو سلطة رسمية تقول اليوم بتحييد لبنان عن الصراعات، لذلك، يتم تأجيل الانتخاب قدر الامكان.
كيف تقرأون عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، وهل تميلون إلى إمكانية تخلي الحريري عن دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية لصالح دعم ترشيح العماد ميشال عون ؟؟
المكان الطبيعي لسعد الحريري أن يكون داخل لبنان لا خارجه. اعتقد أن غيابه يسبب دائمًا نوعًا من البلبلة في موقف كتلته السياسي، وهو يتأذى من ذلك اكثر مما يتأذى الآخرون، فضلا عن انه كزعيم لبناني عليه أن يقوم بدور ما في موضوع انتخابات الرئاسة. لكن ماذا الموقف الذي سيتخذه فأنا لا اعرف ولا اريد التكهن.
من هو مرشح الرئيس ميشال سليمان لرئاسة لبنان؟
مرشحي شخصية مستقلة عن 8 و14 آذار. هناك عدد كبير من الأسماء. عندما تنعقد النية على الاختيار، يجدون أسماء كثيرة جديرة بهذا المنصب.
هل أنتم مع الرئيس التوافقي.
لا، ليس توافقيًا، بل مستقلًا. ربما يكون الرئيس غير توافقي، وينتخب بالنصف زائد واحد... لما لا؟
لو كنت رئيسًا للبنان اليوم، كيف تتعاطى مع ملف النازحين وتداعياته الحالية، خصوصًا ان هناك من يتوقع حربصا أهلية بين اللبنانيين والنازحين السوريين؟
النقطة الاساس للتعاطي مع أي قضية هي وحدة موقف اللبنانيين السياسي. لا يجوز أن نختلف حول السوريين إن كنا سنستقبلهم أم لا، إن كنا سننشيء مخيمات لهم أم لا، إن كنا سنعيدهم أم لا، لا يجوز أن نختلف حول مثل هذه القضايا لأسباب سياسية. عندما تنعقد النية حول موقف وطني وحول كل أمر يمس بالامن، باع الامن طويل يستطيع أن يضبط اي تحركات واي تصرفات. ويجب أن نتذكر أن الامن مدعوم من الاهالي ايضًا، فرغبة الناس وضع حد لأي تفلت ممكن أن يحصل. لا انصح من يحركون هكذا أمور من سوريين أو غير سوريين أن يستمروا، لانهم سيجدون الشعب اللبناني موحدًا ضد هذه التصرفات، وداعمًا للأجهزة الامنية، وربما هو ايضا يتخذ مواقف أساسية تحول دون وقوع الحوادث..
ما الذي يعيق وقوف المجتمع دولي إلى جانب لبنان ومساعدته على تحمل أعباء النازحين السوريين. هل يخفي هذا التقاعس توجهات مبطنة نحو توطينهم في لبنان؟
هذه النظرية ليست اكيدة، فإذا لم يساعدوا لبنان يكونون يفرضون عليه أن يطرد اللاجئين طردًا، واذا قدموا له المساعدة يجدون أن هناك سهولة في استقبال اللاجئين. لا اعتقد أن المساعدة مربوطة بهذا الامر، بل مربوطة بماليات الدول التي تتقاعس في دفع أموال الدعم. إذا أرادونا أن نوطن السوريين فربما يغرونا بالمال، ولكن ذلك لن يتم.
تميزت ولايتكم بالعلاقات الوثيقة بالدول العربية، ولا سيما السعودية التي يشوب علاقة لبنان بها اليوم الكثير من عدم الاستقرار. كيف يمكن ترميم هذه العلاقات في ظل الدور الإيراني الضاغط في المنطقة؟
علينا أن نفصل بين علاقتنا بإيران وعلاقتنا بالدول العربية التي لديها اشكاليات مع إيران. نحن في لبنان منذ زمن كنا نعرف كيف نتعاطى مع هذه التناقضات، لأن تركيبة الشعب اللبناني متنوعة، وهذه الكيانات كانت مترابطة دائمًا ولديها علاقات ثقافية ودينية وحضارية بدول أخرى، فهذا ليس أمرًا جديدًا، لكن هل نسيء السعودية إذا كانت علاقتنا طيبة بإيران؟ لا، هذا لا يجوز. وهل نسيء إيران اذا كانت علاقتنا جيدة بالمملكة؟ وهذا لا يجوز. ننتقد عندما يكون هناك سبب للانتقاد، لكن عندما ينتفي السبب لا يجوز أن الإساءة المملكة على خلفية خلافات بين دول الخليج وإيران. قلنا بتحييد لبنان عن صراعات المحاور، وهذا صلب إعلان بعبدا. فعلاقتنا بالمملكة مربوطة بتاريخ قديم جدًا، أقدم من علاقتنا بدول أخرى، مبنية على الاعمار والبناء الذي حصل في المملكة، وكان للبنانيين الدور الاساس فيه. ويكاد يكون جزء من تاريخ اللبناني في قلب المملكة عبر الثقافة والمدارس والعمران والمشاريع. وللكثير من السعوديين منازل وعقارات في لبنان، وعلينا احترام هذه الروابط.
قلتم إن وقف المساعدات السعودية ضربة قوية للاستراتيجية الدفاعية، لكنالبعض يرى أن مبررات السعودية بقطع المساعدات عن لبنان واهية.
نعم هذف الوقف الحد من اقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تنص على أن تستعين الدولة بسلاح وقدرات المقاومة إلى أن يتمكن الجيش من حيازة القدرات الكافية للدفاع عن الوطن، وهذه المساعدة تكون بإمرة الدولة، وليس تلقائيا. اتت الهبة السعودية وأتى أيضًا قرار المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي تحدث عن دعم الجيش اللبناني على ثلاثة مستويات: الاستقرار السياسي وهنا أتكلم عن اعلان بعبدا؛ والاستقرار الاقتصادي وقد استحدث صندوق ائتماني للبنان؛ والاستقرار الامني. حصلت اجتماعات بين دول عديدة لدعم الجيش اللبناني، كما بادرت السعودية إلى منحنا هذه الهبة. لا استطيع أن اتكهن إن كانت مواقف وزير الخارجية جبران باسيل وراء ايقاف الهبة، لكن اتمنى أن تكون مواقفه دائمًا بعيدة عن السياسة التي ينتمي اليها، لأن وزارة الخارجية تعبر عن سياسة لبنان، ومن يستمع اليها اكثر هم السفراء الذين يدعمون لبنان بصيغته، بمعنى انهم لا يصدقون كثيرًا اذا قلنا لهم أن هناك ظلمًا واقعًا على المسيحيين لأن هذه الوظيفة او تلك لم يحصلوا عليها، فهذا الخطاب لا يعني الدول. هم يدعمون لبنان رسالة وأنموذجًا، ولا يرغبون في الكلام الذي يشير إلى التجاذب والحقوق وهدرها. اتمنى مجددًا على الخارجية أن يبقى خطابها على مستوى الوطن، فالوزير باسيل يمثل سياسة لبنان ولديه القدرة الكافية على تمثيل هذه السياسة، لكن يجب أن ينسى انه رئيس التيار الوطني الحر... ففي خطابه، نرى عملًا سياسيًا لصالح التيار.
وهل تتوقعون الافراج عن الهبة السعودية قريبًا؟
اتمنى ذلك. واعتقد انه بتصحيح العلاقة من شوائبها مع المملكة تعود الامور إلى مجاريها.
لكن يقال إن السعودية أغرِقت في حرب اليمن، ولم يعد لديها مجال للاهتمام بملفات عربية أخرى، وفي طليعتها لبنان؟
نقول بعاميتنا "الولد الذي لا يبكي لا تطعمه أمه". يجب أن نعرف ماذا نريد ونطلب ما نريد، ونقول للسعوديين ساعدونا في هذا الامر وفي ذاك. إذا لم نطالب فلن يهتموا... لديهم اهتماماتهم الواسعة طبعًا.
لكن ألا يثر صرف المليارات في حرب اليمن سلبًا على تقديم الدعم في أماكن أخرى؟