سليمان ينتقد سياسة ترحيل الملفات ولا يرى «التحقيق» يمس بهيبة المؤسسة العسكرية
رلى موفق
بوضوح لا لبس فيه، يعتبر الرئيس العماد ميشال سليمان، إبن المؤسسة العسكرية وقائد جيشها لعشرة أعوام (1998 – 2008)، أنه لا بد من تحقيق شفاف تجريه المؤسسة العسكرية من أجل كشف ملابسات وفاة أربعة من الموقوفين إثر عملية الجيش ضد مخيمين للنازحين السوريين في عرسال، حفاظاً على مصداقية الجيش وثقة الناس به، مؤكداً ان التحقيق لا يمس بهيبة الجيش على الإطلاق لأن الأخطاء تحصل، وليس بالضرورة ان تكون نتيجة التحقيق سلبية. وفي زمن الثورة المعلوماتية وفي هذا العصر، لا يمكن إخفاء شيء. ويعود بالذاكرة إلى حادثة مار مخايل. يومها كان قائداً للجيش، واستهول سقوط مدنيين في مواجهة مع الجيش. فطلب إجراء تحقيق من أجل كشف حقيقة ما جرى، وتم اتخاذ تدابير في ضوء نتائج التحقيق.
ليست هذه المحطة الوحيدة التي يتوقف عندها الرئيس سليمان في جلسة إعلامية معه، بعدما أضحت عملية الجيش في عرسال وبوادر الانقسام حول حقيقة ما جرى فيها وما تلاها تتصدر النقاشات في الصالونات السياسية، وتطل بوادر الانقسام السياسي في البلاد على خلفية ما جرى وما يجري الحديث عنه من إعداد لمعركة عرسال وما يسرب من تحضيرات «حزب الله» لمثل هذه العملية أو للمشاركة فيها.
هو لا ينطلق في موقفه من منطق الأفخاخ الذي قد تُنصب للجيش، وإن كان هذا أمراً وارداً، بل ينظر إلى النتائج. في نهر البارد، كان قراره واضحاً وحاسماً بعد الاعتداء على العسكريين، بأنه لا بد من حسم ظاهرة فتح الاسلام. فكانت المعركة، على رغم من موقف يتذكره كثيرون لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يومها من أن نهر البارد خط أحمر. انتهت المعركة وانتهى معها تنظيم «فتح الاسلام» الذي تبين أن زعيمها شاكر العبسي نجح في الهروب من المخيم الى مخيم البداوي اولاً ومنها إلى سوريا، كاشفا أنً الرئيس السوري بشار الأسد أبلغه أن العبسي قد قتل في سوريا.
يقود الحديث عن التحديات التي يواجهها الجيش الى معركة عبرا. يومها أبلغ قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيس الجمهورية بإطلاق نار على حاجز للجيش وسقوط شهداء، فكان أن طلب منه بأن يحسم المعركة ولا يتردد. منطق سليمان العسكري هو نفسه يدفعه إلى الإعتقاد بأن حسابات الجيش صحيحة إذا كان يعد لحسم معركة جرود عرسال. فالجيش المنخرط في معركة ضد الإرهاب، وتنظيم داعش دحر في العراق ويتقهقر في سوريا، وأفضل توقيت لضربه تكون وهو في فترة ضعفه قبل أن يعيد تجميع صفوفه.
حين تسأله أن البعض يرى أن الجيش يسير وفق أجندة «حزب الله» الذي يلوح بمعركة عرسال، يقول دون تردد وبنبرة الواثق: إذا صح ما تتناقله وسائل الإعلام من أن «حزب الله» يحضّر لمعركة في جرود عرسال، فإن على قيادة الجيش أن تبادر على الفور بالاتصال بقيادة «حزب الله» لإبلاغها بأن الجيش اللبناني وحده المخول بأن يقوم بهذه العملية، وهو قادر عسكرياً ولوجستياً على القيام بها، ولديه الخطط والخرائط والمعلومات والطائرات لتنفيذ هكذا عملية.
ينفي الرئيس سليمان أي علم لديه بوجود مصانع للاسلحة أنشاها «حزب الله»، إلا إذا كانت موجودة ولم أكن أعلم». أغلب الظن أنه جرى إنشاؤها حديثاً وهذا برأيه خطأ كبير. وتقع المسؤولية على الدولة التي عليها أن تتحرك- إذا كانت هذه المصانع موجودة- إذ لا يمكن ان يتم انشاء مصانع اسلحة على الاراضي اللبنانية من دون علمها وموافقتها.
ولكن عن أي دولة يتم الحديث هنا. ففي غمرة الضغوط التي يواجهها لبنان نتيجة «حزب الله»، يذهب ضباط المدرسة الحربية الى «معلم مليتا» في مظهر يحمل في طياته تحدياً للمجتمع الدولي. يجيب الرئيس سليمان هنا: الزيارة خاطئة من منطق الدولة. فبعدما خرح حزب الله عن ارادة الدولة وذهب للقتال خارج الحدود، لم يعد يمكن اعتبار هذه الزيارة لمعلم يجسد رمزاً للمقاومة.
الحديث يعود من الجديد الى العنوان الذي قفز بسحر ساحر الى الواجهة السياسية والمتعلق إعادة النازحين السوريين وضرورة الاتصال بالحكومة السورية، وما يحمله هذا العنوان من انقسام سياسي في البلاد. بالنسبة اليه، هذا الملف لا بد من أن يحل، لكنه يرى أنه لا بد من العمل على عودة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا، حتى انه برأيه على النظام السوري ان يبادر في هذا الشأن بعدما تحمّل لبنان هذا العبء الكبير. التنسيق هنا ليس مطلوباً ان يكون على مستوى الحكومتين، حيث هناك عدم توافق لبناني حوله، لكن هناك لجان تنسيق عدة بين لبنان وسوريا لم تتوقف ولاسيما على المستوى العسكري وغيرها. فنحن لم نعلن قطع العلاقات ولا يزال هناك تمثيل دبلوماسي بين البلدين.
على أن ما يثير الرئيس سليمان هو أداء السلطة الحالية لجهة اعتمادها سياسة ترحيل الملفات السياسية الخلافية، ما يدفعه الى السؤال أذا كانت هذه السلطة التي تضم الأقطاب الأقوياء جميعهم غير قادرة على معالجة الملفات الخلافية، فمن هو القادر عندها، معتبراً انه لا بد للقيمين على السلطة الراهنة من المبادرة سريعاً الى الحوار حول العناوين السيادية الخلافية وأولها قتال حزب الله في سوريا وغيرها من البلدان العربية، إضافة إلى ضرورة العودة الى مسودة الاستراتيجية الدفاعية التي ناقشتها هيئة الحوار الوطني في عهده لانها المدخل الأول لاعادة انتظام الحياة في البلاد، ومن دون سيادة وثقة لا يمكن للاقتصاد ان ينمو.