13 تشرين الثاني 2014
روح الطائف وفلسفة إعلان بعبدا | الرئيس العماد ميشال سليمان


هل هو اليوبيل الفضيّ للطائف أم هو مرور ربع قرن على ولادته؟ الفارق كبير. فلو طبِّق الطائف كاملاً لكنّا نحتفل اليوم بهذا اليوبيل، ولأنه لم يطبَّق فهو في حاجة الى رعاية. وهذا يتمّ بتحصينه عبر إبداع صيغ خلاقة تنسجم مع روح وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، وتساعد على المضيّ قدماً في تطبيقه.

لقد نَسَجَ الطائف فوق لبنان مظلة وقاية وشبكة أمان، حَمَتهُ من تداعيات الصراعات المحيطة به، وحافظت على الاستقرار النسبي الذي ساهم في ضبط الوضع الأمني بحدّه المقبول. كما أمكن بفضل الطائف، ابقاء الاستقرار السياسي، على رغم التمادي في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، في حين برزت مظاهر الاضطراب في الوضع الاقتصادي، بسبب سوء الاداء السياسي.

من المُسلّم به أنّ بنوداً أساسية في هذه الوثيقة لم تنفّذ، وقد تم، على رغم التجاذبات السياسية الحادة وتبادل أدوار التعطيل، رفع المشاريع الضرورية التي نصتّ عليها. ولعلّ مشروع قانون الانتخاب على قاعدة النسبية هو الأهم باعتباره يُشكِّل بداية حيويّة لإصلاح الحياة السياسيّة، وخطوة أولى على طريق إلغاء الطائفية السياسية، وهذا لا يعني إطلاقاً إلغاء المناصفة، بل اعتماد قاعدة اختيار غير طائفية لهذا النصف أو لذاك.

هذا التعثر في اقرار قانون الانتخاب، أدّى الى التأخر في إعداد قانون متكامل للّامركزية الإدارية، الذي يعتبر القاعدة الأساسية للإنماء المتوازن، وهو اليوم موجود في تصرف الحكومة للموافقة عليه وإحالته على مجلس النواب. واللافت هنا، أنّ بعض الكتل النيابية ذهب الى طروحات تخالف بشكلٍ جذريّ روح اتفاق الطائف، في حين لم يتوصل مجلس النواب إلى إقرار المشروع الذي رفعته الحكومة.

ولأن روح الطائف تتجسد في الحوار لحسن تطبيق كامل مندرجاته، كان لا بد لهيئة الحوار الوطني من مواكبة السلطات الدستورية لتسهيل مهماتها. ومن هذا المنظار، برز "إعلان بعبدا" بفلسفته الداعمة لوثيقة الوفاق الوطني ولنهج الحوار والثوابت الدستورية والمواد الاصلاحية. وما تأكيد هذا الإعلان العيش المشترك، إلّا دواء ناجع للانقسام السياسي حول أحداث بعض الدول العربية ولا سيما منها وتالياً ما يجري في سوريا، للحفاظ على السلم الأهلي من خلال تحييد لبنان عن هذه الصراعات، وتالياً عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي.

لقد نصّ "إعلان بعبدا"على ضبط الأوضاع على طول الحدود المشتركة، وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان، ومنع استعمال أراضيه مقراً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، وذلك حرصاً على العلاقات المميزة مع سوريا، وضمان عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمنها أو ممراً أو مستقراً لأي قوة تستهدف المساس بها. وهنا تجدر الإشارة الى أنّ العلاقة مع سوريا لا تتوقف على نظام الحكم، بقدر ما يجب أن تكون علاقة مميّزة مع الدولة ومع الشعب السوريّ أيضاً.

وبما أنّ تحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، هو واجب مقدس وبند أساسيّ في اتفاق الطائف، أشار "إعلان بعبدا" الى وجوب دعم الجيش ومناقشة الاستراتيجية الوطنية للدفاع للتمكن من تحرير الأرض. وقد تمّ بالفعل، بعد الجلسات العديدة التي تليت خلالها الأوراق الاستراتيجية لمختلف أطراف الهيئة، تقديم تصور استراتيجي متكامل للدفاع عن الوطن وتحريره من الاحتلال الإسرائيلي والإرهاب، وقد تعذرت مناقشته لامتناع بعض الاطراف عن متابعة حضور باقي الجلسات.

لإنعاش روح الطائف وجد "إعلان بعبدا"، وبغية تحصين هذا الاتفاق، لا بدّ من مناقشة الاشكالات الدستورية التي حالت دون حسن تطبيقه. وكون الاصلاحات الأساسية المنصوص عليها وأبرزها قانون الانتخاب كما أشرنا، كان من الضروري إجراء دراسة معمقة حول هذه الاشكالات وكيفية معالجتها، ووضعها في تصرف اللبنانيين في خطاب انتهاء الولاية الرئاسية في تاريخ ٢٤ ايار ٢٠١٤، كما أحلنا نسخة على رئاسة مجلس الوزراء للعودة إليها عندما تسمح الظروف، وبعد اجتياز مراحل متقدمة في تطبيق الاتفاق.

من هنا، وبعدما تناهت الى مسامعنا، أنباء عن طلب شطب "إعلان بعبدا" من خلاصات المجموعة الدولية لدعم لبنان، المنعقدة في نيويورك في تاريخ ٢٦ ايلول ٢٠١٤، لا بد لبعض الأسئلة أن تطرح نفسها:

هل تعطيل انتخاب الرئاسة يهدف الى إلغاء "إعلان بعبدا"، وهل المطلوب الذهاب الى مؤتمر تأسيسي ومتى؟ وتالياً ما هي الصيغة التي نطمح اليها؟

هل التنكر لـ"إعلان بعبدا" هو نعي للحوار الذي ارتكز عليه الميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني، أم إنّ دفن "اعلان بعبدا" هو المقدمة لدفن الطائف قبل ان يبلغ ربيعه الخامس والعشرين؟

الرئيس العماد ميشال سليمان - النهار 13\11\2014


أضف تعليق
الرجاء التأكد من إدخال المعلومات بشكلٍ صحيح
تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة