سليمان استقبل غرازيانو والجراح وسفير رومانيا وحاضر في "لبنان الرسالة": انتظام المؤسسات يعيد الثقة بلبنان ودعوة الهيئات الناخبة خطوة ضرورية
أكد الرئيس العماد ميشال سليمان ان انتظام المؤسسات الدستورية كفيل بعودة الدورة الاقتصادية الى سابق عهدها، لأن ثقة المجتمع الدولي وثقة "رأس المال"، تأتي بعد عودة المؤسسات إلى العمل بشكل طبيعي ومنتظم، فلا الفراغ الرئاسي أو النيابي هو دليل عافية بقدر ما يُشكِّل تمديداً للأزمات، ولا تعطيل الانتخابات يُعيد الثقة شبه المفقودة بلبنان، وهذا ما يتطلب اتخاذ قرارات شجاعة ودستورية في آن لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور، آملاً في الوقت عينه الاخذ في عين الاعتبار ان إحدى أهم مقومات الصمود هي بنتيجة التعافي الاقتصادي.
وشدد سليمان على أهمية العلاقات الأخوية الممتازة بين لبنان ودول الخليج العربي الحريصة على سلامة لبنان ودعم مؤسساته الدستورية والعسكرية، والمتغاضية في الكثير من الأحيان عن الاساءات بحقها من قبل بعض القيادات اللبنانية.
وتمنى الرئيس سليمان خلال استقباله وزير الاتصالات جمال الجراح ان تتكثف جهود ربع الساعة الاخير، للخروج بصيغة انتخابية دستورية، تمنع وصول البلاد الى الحائط المسدود، مؤكداً ان التوقيع على دعوة الهيئات الناخبة "خطوة صحيحة وضرورية في مسار دولة القانون ولا يجب ان تكون موضع سجال".
الجراح
وقال وزير الاتصالات جمال الجراح بعد اللقاء: اللقاء مع فخامة الرئيس سليمان دائما يسرني، واطلع على آرائه في كثير من المواضيع الوطنية المهمة. كانت مناسبة لاستعراض كل الاوضاع الوطنية والاقتصادية وقوانين الانتخاب وغيرها من المواضيع التي تهم فخامته وتهمنا وتهم جميع اللبنانيين، من الممتع دائما الاستماع الى آراء فخامته والى وطنيته في نظرته الى كل الامور. سأبقى حريصا على زيارته وعلى لقائه والاستمتاع بآرائه.
واستعرض الرئيس سليمان الاوضاع الدولية مع القائد الأعلى للجيش الإيطالي الجنرال كلاوديو غرازيانو، كما استقبل السفير الروماني في لبنان فيكتور مارسيا.
محاضرة في "لبنان الرسالة"
استضافت حركة لبنان الرسالة الرئيس ميشال سليمان في مقرّ الحركة في جعيتا بحضور الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، بالاضافة الى فعاليات بلدية وشخصيات سياسية وأكاديمية وحزبية وأعضاء الحركة.
تحدّث الرئيس سليمان خلال الندوة عن "مستقبل لبنان على ضوء تجربة وثيقة الوفاق الوطني"، متطرقاً إلى الواقع الدولي القائم الذي يشهد اضطراباً مع عودة "الحرب الباردة" التي انتقلت بعد سقوطها مطلع التسعينات من جدار برلين إلى "جدار" أوكرانيا اليوم مع انفصال جزيرة القرم والصراع الدائر بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، وانتشار الحروب بالوكالة كما كانت في السابق والتي تُدار في المناطق من قبل الدول الكبرى، وما يرافقها من زيادة التسّلح بشكل ظاهر والذي بلغ 1170 مليار دولار، منها حوالي 220 مليار دولار في الدول العربية.
وقال: "إن ما نشهده اليوم مع انتشار ظاهرة الإرهاب يُشبه الحرب العالمية التي استدعت انتقال الجيوش من منطقة إلى اخرى وبروز التحالفات العسكرية من جديد، في حين أن العولمة كانت من أجل فتح الحدود الثقافية والاقتصادية والانسانية.
وسأل: "ماذا فعلت العولمة على مسرح الشرق الأوسط؟ كنا قد استبشرنا خيراً بالربيع العربي في سبيل تحقيق الديمقراطية لشعوب المنطقة، لكن الإرهاب والعصبيات استطاعت أن تشوّه وتخطف إمكانية التغيير الديمقراطي".
وعن انعكاس الواقع الدولي والاقليمي على لبنان، اعتبر الرئيس سليمان أن وضع لبنان أهم بكثير مما خيّل إلينا بوقت ما، لأنه بعد الطائف صوّر لنا أنه من دون الوجود السوري لا يمكننا أن نحفظ أمننا واستقرارنا الداخلي، وبعد الانسحاب السوري في العام 2005 تخوف بعض المسؤولين في الدولة اللبنانية من انقسام الجيش، وقيل لنا إن اهتزّت سوريا سيخترب لبنان... لكن الذي حصل هو أن الجيش اللبناني حافظ على وحدته وقوّته وتماسكه وقام بضرب الإرهاب في الضنية ومخيم نهر البارد وعلى الحدود الشمالية والشرقية، وأثبت الجيش اللبناني فعاليته ودوره في الحفاظ على الأوطان أكثر من "الجيوش الحديدية" في المنطقة.
وأضاف سليمان: "من النقاط المهمّة لثبات لبنان هو الشعب اللبناني الذي برهن بكل مكوناته، تمسّكه بالحفاظ على أمنه واستقراره وإيمانه بالمؤسسات والعقد الإجتماعي المتمثل بوثيقة الوفاق الوطني وعدم العودة إلى الحروب البغيضة الماضية.
وقال: "إن الشعب والمؤسسة العسكرية والنظام النقدي نجحوا في مهماتهم، بينما نحن كطبقة سياسية فشلنا في القيام بواجباتنا".
في المقابل، تخوّف الرئيس سليمان من أن تقوم اسرائيل بحرب على لبنان خصوصا بعد حديثها عن سلاح استراتيجي مع حزب الله، وسعي اسرائيل لضمّ الجولان إليها بشكل رسمي لإبعاد النفوذ الإيراني كما هي تقول عن مناطقها الشمالية في سوريا (الجولان) وجنوب لبنان.
ورأى أن المدخل الرئيسي لتغيير الواقع السياسي الحالي هو قانون الإنتخاب الذي يؤمن صحة التمثيل، من دون الذهاب إلى مشروع "قانون اللقاء الأرثوذكسي" الذي يعزّز التعصب المذهبي، في حين أن المطلوب هو إلغاء الطائفية السياسية، الذي يعزّز الاعتدال داخل الطوائف مع ضرورة المحافظة على المناصفة والشراكة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين".
ولفت إلى أن القانون الذي طرحه عندما كان في سدّة الرئاسة يرتكز إلى نظام نسبي على أساس 13 دائرة لكن الفرقاء السياسيين أهملوه لإعادة إنتاج أنفسهم".
وأضاف: "يجب العودة الى الاستراتيجية الدفاعية التي كنا بحثنها في هيئة الحوار الوطني في بعبدا، وعدم التدخلّ في الشؤون السورية".
وعن الهواجس، تخوّف سليمان من احتمال نشوء كيانات سياسية أو عرقية أو دينية من لون واحد كبديل من الدولة السورية الموحدة القائمة على الاعتدال واحترام حقوق الانسان والحريات العامة والاعتراف بالأخر المختلف والمشاركة معها في إدارة الشأن العام، مما قد يهدد الصيغة وجوهر التعددية في لبنان، "الوطن الرسالة" كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني.
ودعا إلى ترسيم الحدود اللبنانية – السورية ولا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو شأن من صلب مهمات الامم المتحدة ، بالإضافة إلى نشر مراقبين دوليين على الحدود الشرقية والشمالية أقله في المرحلة الاولى لبدء تطبيق التسوية السياسية السورية للمساعدة في منع تدفق المسلحين في اتجاه لبنان، والطلب إلى "اليونيفيل" تقديم المساعدة إلى الحكومة اللبنانية حيث تدعو الحاجة، لضمان عملية ترسيم الحدود.
وعن الواقع الإقتصادي، أمل سليمان أن يتحسن الوضع خصوصاً مع انتخاب الرئيس العماد ميشال عون، لكنّ الاستعراضات العسكرية التي قام بها حزب الله في القصير قُبيل ذكرى الإستقلال، عطّلت القفزة الاقتصادية التي كانت متوقعة مع بداية العهد.
وفي الختام، شدّد الرئيس سليمان على ضرورة الشراكة الحقيقية بين المكونات كقيم حضارية وليس كأعداد، وأن يتمّ التعامل بين الطوائف ليس على أساس القوّة والنفوذ والعدد، لأن كل واحدٍ منها لديه حضارة وهذا يميّز لبنان، واعتماد الحوار كنهج تفاعلي على قاعدة حقوق الإنسان وتعزيز أسس الجمهورية من خلال تحصين وثيقة الوفاق الوطني، مشدداً على ضرورة تعزيز واجبات رئيس الجمهورية وليس الصلاحيات، أي لا أن تأخذها من رئيس الحكومة مثلا وأن تُعطيها لرئيس الجمهورية أو العكس، ومن أجل الإنتقال إلى الحكم الرشيد الذي يتطلب أسلوب مميز في فنّ القيادة واداء الحكومة في وظائفها الرئيسية التي ترتكز على اللامركزية والتي باتت مطلباً عصرياً نظراً لتنوّع الحاجات وتكاثر الخبرات والتقنيات، والمشاركة في الحكم والتواصل. وعلى الحكومات ان تقوم بثلاثة وظائف وهي: الديمقراطية، الإنماء المتوازن، والحوار.
وبعد انتهاء العرض، فتح الرئيس سليمان المجال للنقاش والحوار بينه وبين الحاضرين.